زاد الاردن الاخباري -
بسام بدارين - قد تتضح تفاصيل إضافية بعد القمة الأردنية الأمريكية المرتقبة، بصورة تساعد بوصلة عمان في ترسيم التموقع الإقليمي لخارطة التحالفات الجديدة، في الوقت الذي تنشغل فيه النخب المحلية بانتظار نتائج هذه القمة وتداعياتها، خصوصاً في ظل تكهنات لها علاقة بنظام التواصل وطبيعة التحالفات مرحلياً.
الانطباع كبير في عمان بأن اللقاء المرتقب بين الملك عبد الله الثاني والرئيس جو بايدن قبل نهاية الأسبوع المقبل، سيحسم عدة معطيات لها علاقة بأولويات أي حراك إقليمي أو دبلوماسي أردني وسط المستجدات الإقليمية، وأبرزها التصدع الجديد في منظومة النادي الخليجي، والتقارب الكبير بين السعودية وسلطنة عمان مؤخراً، إضافة إلى التلامسات بين تركيا وقطر من جهة، ومصر -حليف الأردن الأبرز- من الجهة المقابلة.
الأردن يتحدث مع الإدارة الأمريكية باسم بعض زعماء المنطقة. وتعريف زعماء المنطقة هنا تحديداً، وحسب شروحات خلف الكواليس، يتضمن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وإلى حدٍ ما الشيخ محمد بن زايد.
هؤلاء القادة هم من تبادل معهم الأردن الأفكار، لا بل أسس مع بعضهم تحالفات وبرامج ومشاريع قبل وقوف القيادة الأردنية على محطة البيت الأبيض بطاقمه الجديد. أغلب التقدير أن الأردن في ترسيم ميزان مصالحه الأساسية والحيوية، هو بحاجة -كما يقول سياسي وخبير اقتصادي هو الدكتور محمد الحلايقة- إلى قراءة تفصيلية أعمق لحالة التمحور التي تتفاعل وتشهد المستجدات بين دول المنطقة.
والحلايقة مجدداً، وعلى هامش حديث مفصل مع “القدس العربي” تنشر حيثياته لاحقاً، يضم صوته إلى قراءة متأنية أكثر للمصالح، ويرغب في دعوة مراكز القرار في بلاده إلى دراسة بوصلة الدول في الإقليم بشكل غير متسرع ولا ينطوي على مجازفات، معتبراً أن الحراك لا يبدو مستقراً في الإقليم، والمطلوب دوماً ليس فقط تحديد بوصلة المصالح، ولكن اختيار المكان المناسب للتموقع.
يشير الحلايقة وآخرون دوماً إلى مستجدات لا يمكن إسقاطها من أي حساب في المسألة الإقليمية تحديداً، فوجود وانتقال قوات عسكرية أمريكية إلى الأردن صفحة ينبغي أن تقرأ بعمق، وتعني الكثير، والتحولات في لبنان وسوريا بصمة مؤثرة، والوضع الاقتصادي ضاغط على الجميع، والملف الإيراني في سياق الاحتمالات، وإسرائيل تواجه أزمة اليمين المفصوم.. والأردن عالق بين كل هذه الخريطة المتحركة.
هذا النمط من الحراك -برأي مراقب وخبير اقتصادي وسياسي آخر هو الدكتور أنور الخفش- يشكل بيئة تدفع باتجاه تحديد أفضل لميزان المصالح الأردنية؛ فعمان جزء من منظومة مصالح، وحكومتها يجب أن تتصرف انطلاقاً من هذا الأساس، خصوصاً في التعامل مع الملفين العراقي والسوري.
ويبدو الخفش مرتاحاً لهوامش المناورة والمبادرة، لكن البوصلة عموماً لا تزال تائهة وتبحث عن مساحة للاستقرار عليها، والاعتقاد كبير بأنها مساحة لن تظهر بوضوح قبل التلاقي مع أجندة الرئيس جو بايدن وفهم ما الذي يخطط له الأمريكيون لاحقاً، وما الذي يريدونه بصورة محددة.
هذا التلاقي يحصل بين واشنطن وعمان، فيما العلاقات الأردنية غير مستقرة تماماً مع بعض الدول الشقيقة، وفيما عمان بدأت تجامل الإيرانيين بلهجة غير مسبوقة، وتبدو مهتمة جداً بإعادة تأهيل ودمج نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث بدأت مرحلة مكثفة من تبادل الوفود والزوار الممثلين للقطاع الخاص في كل من دمشق والعاصمة الأردنية تحت عنوان التطبيع الاقتصادي والتجاري هذه المرة، في خطوة يقدر رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق بأنها في الاتجاه الصحيح، وإن كانت متأخرة قليلاً. الجميع عملياً بانتظار الخبرة الأردنية وتشخيصاتها عندما يتعلق الأمر بالبوصلة الأمريكية الرئاسية، وهو خيار غني عن الذكر بأنه أتيح للأردنيين فقط حتى اللحظة دون بقية حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً بين الدول العربية والإسلامية.
يفترض أن يتمكن الأردن من إعادة إنتاج عملية تفاوض تخدم مصالحه العليا بناء على القمة التي ستعقد مع بايدن بعد خمسة أيام، وبناء أيضاً على المعطيات التي وردت من واشنطن مؤخراً تحت عنوان الاهتمام بالاستمرار بدعم استقرار الأردن اقتصادياً وأمنياً. وتحت عنوان توفر فائض من مساحة الدعم والإسناد في هذه المرحلة، سبق للناشط الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، أن اقترح على الأردنيين بحكم معرفته وخبرته بالمؤسسات الأمريكية، الاستثمار فيها بصورة منتجة.
يفترض بأن وجود ثقل من القوات الأمريكية في الأردن ورقة رابحة تعزز الدور الأردني الإقليمي. لكن يفترض بالمقابل، أن الأردن وبعد الزيارة الملكية لواشنطن، لديه قدرة أكبر الآن على تحديد الأولويات وفهم البوصلة وإدارة دفة شبكة مصالحه على أساس هذا الفهم، وهي مهمة يؤسس الاختراق الملكي لها جيداً، لكنه قد يحتاج لاحقاً إلى أدوات ونخب ومؤسسات قادرة على التكييف السياسي أولاً، والتفاوض الاحترافي وتحقيق المكاسب ثانياً.القدس العربي