في وقت يعمل فيه الملك على تضميد جراحات الوطن النازفة من قطاعاته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتي شوهت صورة البلاد ومزقت صفحات الثقة باقتصاده وفرص الاستثمار والنمو فيه ، ولا زالت تعرضه لمحن قد لا يعرف أين ستصل به إن بقيت قطعان الفساد تنعم بالحماية والرعاية التي كدنا ولا زلنا نشكك في جدية ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم الكبرى بسبب المماطلة والتلكوء بإحالة قضاياهم إلى العدالة التي تنتظر بفارغ الصبر وصولهم إليها ، فأن هناك أصوات نشاز رسمية وغير رسمية تخرج بين الفينة والفينة بالقول أن قانون العفو العام سيشمل في بنوده مرتكبي هذه الجرائم وشطب الملف برمته وعفا الله عما سلف !
لن أكون متشائما ، ولكنني لست متفائلا كثيرا ، فالتباطوء والسلوك الذي انتهجته الحكومة حيال مرتكبي هذه الجرائم مع سبق الإصرار والترصد وما تلاها من تهريب رسمي غير آبه بمشاعر الناس حيال ألمدعو خالد شاهين وما يشاع عن شملهم بقانون العفو العام يشير إلى إتباع الحكومة لما يعرف بسياسة تقليل الحساسية التدريجي لتشريب الناس فكرة العفو واستيعابهم لها دون رد فعل أو اتهام بالتقصير او المشاركة أصلا بتلك المفاسد ، وان كل ما كان يجري ليس إلا كسبا للوقت وتهدئة لخواطر جموع الناهضين من أبناء الوطن المطالبين بمحاسبة المفسدين .
لن يخذل الملك أبناء شعبه ، ولن ينكث عهده بملاحقة الفساد وكشفه وإحالته للقضاء حتى لو كان داخل الديوان الملكي نفسه أو ممن هم الأقرب له ! فخطاب الملك واضحا لا لبس ولا تأويل له إلا الإصرار والمضي قدما لمحاسبة كل من افسد واهلك زرع الوطن وخرب اقتصاده ، فالحكومات قد تكذب وتتحايل وتطوي صفحات الفساد والترهل وترحلها إلى حكومة قادمة ، إما لضعف في بنيتها ورجالاتها لا يقدرون على تحمل المسئولية وتحمل القرار ، وإما لأن المفاسد من صنيعتها وجريرتها فتهرب بنفسها وتغادر الموقع ، لكن النظام باق ، والملك باق ، يستمد قوته وعزيمته من التفاف الناس وولائهم له ومحبتهم التي يجددونها مع كل إطلالة على شعبه في كافة المدن الأردنية ، فهو العماد الذي ينتصف بيت الشعب الذي أحبه ، وأما محاولات بعض الفاسدين من ترويج إشاعات العفو عن جرائمهم ، فتلك مهزلة ، وحلم لن يتحقق ، لأن الملك عاهد شعبه بملاحقتهم وكشفهم وإحالتهم للقضاء ، فليتوقفوا عن أحلام اليقظة تلك ولينتظروا الحساب العادل . حتى يهنأ الناس ، وحتى نعيد الثقة بنظامنا وعدالة قضايا الوطن الكبرى ، من اجل ان يستمر الحلم الجميل بغد مشرق خال من الفساد والجوع والظلم والتمييز بين أبناء الوطن الواحد الذي عاناه الناس طويلا .
لا بد من القصاص العادل ، ولا بد أن ترى العدالة الطريق ، فالقصاص عدل لمن جنح ، وصافرة إنذار لمن يدبر الجنح ، وهي في النهاية راحة واطمئنان وثقة تتجدد بقدرتنا على تضميد الجراح النازفة في جسد الوطن .