زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام بدارين - لم أتخيل أو يخطر في ذهني يوما أن أقرأ بيانات أو تعليقات أو وجهات نظر من أي مواطن في أي بلد باسم شعب ما ومن أي نوع تعترض على الدعوة المتعلقة بالهوية الوطنية الموحدة والجامعة.
حقيقة شعرت بمفاجأة من وزن ثقيل أقرب إلى الارتطام بقطار بعدما اكتشفت أن العديد من الشخصيات والنشطاء وحتى المواطنين العاديين الأردنيين يقفون في الإتجاه المعاكس لمقولة أو برنامج المواطنة الموحدة أو الهوية الوطنية الموحدة حيث ترد مثل هذه التعبيرات الآن في سياق حالة العصف الذهني التي تديرها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
اللجنة لم تقرر شيئا بعد والسوق مزدحمة من سنوات طويلة بتلك التحذيرات من الهويات الفرعية، والدولة لم ترسم أي مسار والتمثيل الاجتماعي العريض في لجنة ملكية لم يحسم بعد أي ملف… رغم كل ذلك تطالعنا بعض القراءات بهجوم غريب على أي نظريات لاحقا لها علاقة بـ«هوية جامعة» في الأردن وعلى أساس أنها تمثل دعوات «مشبوهة».
لا أعقل أي إجابة على السؤال التالي: بالله عليكم…كيف لهوية وطنية جامعة أن تهدد حقوق أي مواطن في أي بلد؟
عنصر المفاجأة له علاقة بأن التوقعات والتكهنات وكذلك علبة الاتهامات الموسمية لم توجد فيها سابقا رفوف صالحة لتخزين منطق يعترض على العمل من أجل هوية وطنية موحدة لأن البديل عن الهوية الواحدة لجميع الأردنيين بمعنى المواطنة الأفقية التي يحكمها الدستور والقانون هو بكل وضوح وصراحة الإعلاء من قيمة وشأن الهويات الفرعية.
النقاش يشبه تلك القيمة التي أفسدت الإدارة والحاكمية الرشيدة في بلدنا عندما رفع شعار يرفع ما يسمى بـ«الولاء» على حساب «المهنية».
الجميع بدون استثناء في الحالة الأردنية من أعلى قمة القرار في الدولة إلى أدنى الشرائح الاجتماعية عانى الأمرين من بروز الهويات الفرعية.
وهذا الجميع يعترض صراخا وهمسا وبكل الطرق واللهجات على بروز التعبيرات الفرعية بالمجتمع باعتبارها لا تنتمي للحاضر وتؤدي إلى تنشيط الأنا الذاتية وتجارها على حساب الأنا الوطنية وينتج عنها مشكلات يعلمها جميع الأردنيين وقد ذاقوا مرارتها مؤخرا على أكثر من صعيد.
أحدهم علق على مدونتي مؤخرا بشعار «هي الحرب إذا» مع أن حربي وحربه قبل كل شيء مواجهة آفة المخدرات التي التهمت مناطق ومضارب وأحياء وقرى وشباب بعمر الورد.
ببساطة ومن الآخر من يقول ضد الهوية الوطنية الموحدة في الأردن عليه أن يخبرنا ماذا إذا كان يقصد مجددا أن البديل هو بقاء وتمجيد الهوية الفرعية تمهيدا لحالة فوضى جماعية لا يمكنها أن تكون خلاقة.
أسمع غمزا وهمسا ولمزا يستهدف هذه المرة بعض الأفكار والمقترحات التي لم تتحول حتى إلى ورق حتى الآن ضمن اجتماعات اللجنة الملكية التي نتوقع لها للأسف أن لا تنجز المطلوب منها بكل الأحوال وأن تخرج بمنتج قاصر عن معالجة الإصلاح الجذري والعميق والشمولي الذي يحتاجه الأردنيون دولة وشعبا هذه الأيام.
الجزء الأساسي في ماكينة الهجوم على اللجنة بدا على نحو غريب ومفاجئ يحذر من الحديث عن الهوية الوطنية الجامعة في الأردن وكأن وحدة الأردنيين في حالة خصومة تضر بامتيازات ومصالح البعض أو أنها تؤسس لحالة حضارية لا تريدها الكثير من القوى في الواقع الموضوعي.
قوى ما يسمى بالواقع الموضوعي سواء كانت في الشارع أو بين الناس أو حتى في بعض أروقة القرار الرسمي عليها أن توضح لنا ما الذي تقصده وتريده أولا من الدولة ومؤسسات القرار ومؤسسة القصر وثانيا من المواطنين الأردنيين جميعا وهي تصر على تفخيخ أي حوار له علاقة بالإصلاح وعلى وجود نقاط تحول ومكائد في تفاصيل الحوار الوطني الحقيقي المنتج.
على كل تلك القوى وبكل صراحة ووضوح أن تبلغنا وبصورة مباشرة ماهي بدائلها المقترحة إذا كانت ضد الهوية الوطنية الجامعة لجميع الأردنيين؟ .. هل تقصد وهنا أطالب تلك القوى بالمزيد من الصراحة والمكاشفة – هل البقاء في حالة تعبير عن الهويات الفرعية بحيث ينحسر مفهوم الدولة ونعود إلى مرحلة ما قبل الدولة الأردنية على أعتاب المئوية الثانية ؟.
تلك أسئلة حرجة وحساسة لن يجيبني عليها الكثيرون وهم يحاولون إغراقي بجدل لا نهاية له.
وما ألمسه شخصيا على الأقل في هذه المرحلة ومع عدم إيماني بأن اللجنة الملكية يمكن أن تنتج ما هو مطلوب وفقا للمتابعة المهنية فإن المسألة تتعلق بنفاذ صلاحية الاستهلاك لعبارة الحقوق المنقوصة ووجود تيار يدعو للحقوق المنقوصة في الأردن.
تلك الكذبة أو الفرية أنهتها تماما سلسلة طويلة من الأحداث مؤخرا وبالتالي لم تعد صالحة للاستعمال وكان لابد للقوى التي تعارض الإصلاح أو ترتاب به أو لا تريده أن تنحت لنا مفهوما جديدا يخيف الأردنيين اسمه هذه المرة وللأسف الشديد الهوية الوطنية الجامعة.
غير المعقول أن نسمح كأردنيين ببروز آراء ترفض وجود هوية وطنية جامعة تمثل جميع الأردنيين وتؤسس لدولة لمؤسسات والقانون.
غريب جدا مثل هذا الطرح.