كياننا .. استقرارنا .. استقلالنا
الكاتب : فيصل تايه
لعل أهم حدث كياني في حياة الشعوب بمس وجودها واستقرارها هو استقلالها الذي يعبر عن قيمة رمزية ومادية في وقت واحد. فهو ضارب في التاريخ والمستقبل بجذوره العميقة .. وهو ذا أثر واضح في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.. أي في ذلك المجال الواسع .. الذي نسميه فضاء الشعوب .
كل هذا يمكن أن نستقيه من ذكرى عزيزة على قلب كل أردني أبي ..فعيد الاستقلال ..على اعتباره أنة الحديث الأكثر أهمية هذا اليوم .. فتح صفحة من غد مشرق لأجيالنا ... فالخامس والعشرين من أيار ليس حدثا عاديا .. بل هو تتويج فعلي لإنجازات هذا الشعب بهمة رجاله وتضحياتهم .
وليست الأحداث الكيانية الفاعلة في تاريخ الأمم بالكثيرة.. فهي تبرز بين الحين والآخر هنا وهناك على غرار الشهب المضيئة .. فتستخلص منها الدروس .. ويتأملها من ضحى من اجل الاستقلال .. ويلتف حولها كل الخيّرين الشرفاء .
فمن حقنا أن نعلي الرايات لتبقى شامخة في ذكرى الحدث الكبير.. لترقى إلى منزلة الأطوار الكبرى في تاريخنا بل إلى أعلاها ، والتي هي ذات أثر كبير في نفوس البشر وعقلياتهم وإحساسهم ورؤيتهم لمستقبلهم .
بل يجب أن ندرك جيدا أن حدث الاستقلال يتجاوز كل المناسبات .. بدلالاته التي تتخطى المادي المحسوس إلى مجال الرمز والإيحاء البعيدين.
على هذا الأساس ندعو إلى إعادة تمثل ذكرى عيد الاستقلال باعتبارها من قبيل استرجاع الماضي واستدعاء المستقبل في سياق واحد جامع.. محفز مشجع للأردنيين جميعا من كل المنابت والأصول على مزيد من العطاء والبذل.
لهذا فإن الشباب والأطفال والرجال و النساء من أبناء أردننا في داخله وخارجه... كلهم بلا استثناء يقفون اليوم وقفة واحدة للتشبث بالأبعاد الفعلية.. والأبعاد الرمزية لعيد الاستقلال .. الذي يسهم كل عام في دفعهم من جديد نحو واجهة المستقبل المشرق للأجيال .. بل ويسهل عليهم الإسهام الإيجابي في نظرتهم للحياة .. ويمكنهم من الاضطلاع بمسؤوليتهم الوطنية في هذا النطاق.
إن ذكرى عيد الاستقلال أوسع من أن تكون مجرد استرجاع لحدث وقع في الماضي .. فهي في حقيقتها رمز لكياننا منه انطلق أردننا في منتصف القرن الماضي .. فمثل رؤى تاريخها المعاصر .. واستجمع مجمل سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ضمن رؤية شاملة قادرة على تصور أسلوب الحياة .. المتمثلة في أصالته العربية الهاشمية ، فتواصلت وتعززت الصلة بين الراعي والرعية .. واستلهمت سبيل للتعامل مع الأصدقاء والأعداء!
لهذا فإننا نعود لتأكيد الفكرة ذاتها .. فعيد الاستقلال حدث كياني يشمل الماضي والحاضر والمستقبل، لذلك فهو يثير في نفوسنا مشاعر عديدة .. ويحفزنا على استخلاص العبر .. ويجعلنا مؤهلين لدخول التحديات المستقبلية ...
إن الاستقلال قائم على مجموعة من القيم .. منها الإيمان بهذا الوطن .. وطن الجميع .. وطن المهاجرين والأنصار .. من أي منبت أو مشرب أو أصل فتعاهدوا على التضامن الذي يدعم الصلة بين كل الأردنيين بكل ألوانهم وأطيافهم ، فتمثل الوفاق والإخاء والتسامح بأروع صوره .. تجسيداً للقيم الخير والعطاء التي تربى عليها كل الأردنيين في بيت بني هاشم بفضل سياسة المغفور له جلاله الملك الحسين طيب الله ثراة الرائدة التي أهلتهم لخوض غمار الحاضر والمستقبل.
ومن بعده ورث جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين إدارة الدولة الحديثة.. فحرص جلالته ، على أن يجعل أفكار التضامن والتسامح والوفاق من القضايا ذات القيمة المطلقة .. فأصبحت منسجمة مع الأفكار الرائدة منذ تسلم جلالته سلطاته الدستورية.
فبرزت قيم جديدة شملت فهمنا للواقع وإحساسنا به .. وأثرت في مفهوم الاستقلال ذاته بالنسبة لكل الأردنيين .. فلم يعد يوحي بأنه مجرد نهاية مرحلة سابقة ... إنما أصبح يجزم بداية عهد العطاء والازدهار التي يدخلها الأردنيون متعطشين إلى تطبيق رؤيتهم لمستقبل زاهر .. وإنشاء كيانهم وتحقيق إرادتهم.
فحدث الاستقلال .. كان ضمن عدد من الأحداث المماثلة في تاريخ بلاد الشام .. مثل تاريخ استقلال كل من العراق وسوريا ولبنان .. إلا أن هذا لا يمكن أن يجعله مجرد تاريخ ضمن سلسلة أخرى من الأحداث... لأنه يؤرخ إرادة الشعب الأردني في حياة كريمة فضلى.
لهذا نشأ في أذهان الأجيال أن الاستقلال رمز النهوض .. والإقبال على صياغة كيان أردني مستقل رائد لذلك اعتبروه دليلا على التشبث بالحياة، ، ونهاية مرحلة استهلت منذ أواخر القرن التاسع عشر.
لقد طوى الاستقلال صفحة الماضي من تاريخ هذا البلد الطيب .. وأعلن عن طور جديد خرج من صلب الحداثة.
فأقبلت دولة الاستقلال على يدي صاحب الجلالة المغفور له الملك عبد الله الأول بن الحسين ليرسم ملامح حياة جديدة من تاريخ الأردن والأردنيين .. واستمر التقدم والنماء والعزة والإباء لنبني الأردن الحديث على يد أبنائه الغيارى على ترابه .. ولتستمر المسيرة .. مسيرة الخير والعطاء ليكون الأردن الأنموذج والمثل الأعلى بالشموخ والعزة .
وانطلاقا من هذا الفهم يكتسب حدث الاستقلال معنى التجدد والدوام .. فهو حدث دائم الحضور في الذاكرة.. ذو أثر في الفكر.. وقدرة على تكوين الشخصية الوطنية الأردنية الأبية..
من هنا وجب أن يؤول بنا الأمر إلى أن نستذكر رمز كياننا .. لأن هذا التاريخ موصول بحديث الروح .. الضاربة في منظومة القيم التي تربط الأمم بماضيها .. وتصلها بتصورها عن ذاتها.. وتمنحهم معنى حيوية الأمة.. وتأجج روح العطاء بين أبنائها.
لهذا بقيت النظرة للمستقبل بمثابة الغاية التي يسعى إليها كل الأردنيين .. ويعملون في سبيلها.. لأن فيها حفظ لاستقلالنا.. وتأكيد لمناعتنا .. ورغبتنا في أن تبقى إرادتنا حرة أبد الدهر.
فمن حقنا أن نتغنى بالاستقلال .. وان ترتفع راية العز والفخار لندرك أبعاد هذا الحدث الوطني الكبير الذي زرع فينا المزيد من حب الوطن .. والمزيد من الولاء لترابه الطهور .. والمزيد من التعاضد والتماسك والإخاء .. ليظل الأردن رمزا لكل التحديات وعنواناً للعطاء ونبراس خير وبركة .
فلكم نحن في حاجة اليوم إلى تلك الإرادة التي تدفع الواحد منا نحو استحضار الاستقلال... وفهم معناه الحقيقي لنبني الإنسان بعزيمة الرجال وليبقى الأردن حرا عزيزا غاليا فخورا بقيادته الهاشمية الفذة .
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com