بدأ باص التردد السريع في عمان رحلته التجريبية بعد سنوات طويلة من الانتظار، وقبل أن يبدأ بأيام ومع حملة الترويج لانطلاقه شنت حملات سخرية وتندر، واستمرت بعد التشغيل.
قلت وسأعيد الباص السريع خطوة بالاتجاه الصحيح لتطوير النقل العام في البلاد، ومن جربوه أثنوا عليه وامتدحوه، وآثاره سنبدأ تلمسها على حركة المرور، وعلى تغيير سلوكيات المستخدمين للنقل، وربما يكون هذا المشروع حجر الاساس لمراجعة شاملة لكل منظومة النقل العام.
الباص السريع وحده لا يكفي، وكتبنا عن أهمية استكمال منظومة النقل بتوسعة خطوطه، والبدء بتفكير جدي لإنشاء “شبكة مترو الانفاق” التي تصل إلى كل حي في عمان، ولا تحتاج إلى استملاكات، والعمل بها حتى ترى النور يتم تحت الارض دون ان يعطل الحياة، ويشل الشوارع.
نعود للباص السريع في مناقشة هادئة تسهم في تطويره، وأول الملاحظات التي يجب ان تقال ان استخدام النقل ثقافة تترسخ وتتغير مع مرور الايام، وان السلوكيات تحتاج وقتا، وحزما، وترسيخ للقانون والانظمة حتى تستقر، ولذلك علينا ألا نيأس، ونغادر مربع لا أمل في التغيير.
محزن ومؤلم ان نرى شرطيا يقف عند كل مدخل لمسار الباص السريع حتى يمنع السيارات من الدخول لهذا الخط، وهذا الامر مفهوم لمدة شهر لتوعية الناس، وتنبيههم، وبعد ذلك فإن الصرامة في تطبيق القانون يجب ان تكون نافذة، والعقوبات يجب ان تكون زاجرة، فالمصلحة العامة تتقدم على مصالح الافراد، وعلى الاقل حجز المركبة، وغرامة مالية عالية قد تسهم في ردع هذه الممارسات.
توقف الناس عند حوادث صدم الباص لأشخاص، وهذا مقلق فالأرواح وحياة الناس لا تعلوها قيمة، ولكن خط الباص ليس مكاناً للتنزه، وقد استخدم مساره في السنوات الماضية لممارسة رياضة المشي، وفضاء للجلوس في رحابه الفارغ لتمضية الوقت.
هذا الامر انتهى وعلى امانة عمان ان تفكر في انشاء مسارات للمشي في الاحياء، والعودة لإنشاء الحدائق بعد ان اختنقت المدينة بالعمارات الصماء.
أكثر قصة مزعجة في مسار الباص السريع التداخل والاشتباك مع السيارات في مواقع محددة ولمسافات قصيرة، وللأسف فإن العديد من سائقي السيارات “يحشرون” الباص ويناكفونه بدل ان يفتحوا له الطريق ليدخل مسربه بسرعة، وقد تكون نقاط الالتقاء بالسيارات أكثر جوانب الضعف التي لا اعرف ان بقيت حلول مرورية لها غير ما نفذ.
المشكلات لا تنتج فقط عن بعض سائقي السيارات، وأيضاً بعض الركاب الذين يصرون على الدخول للباص من الباب الخلفي والخروج من الباب الامامي، ولكن واجب امانة عمان ان تتنبه إلى سائقي الباصات وتدريبهم ومراقبتهم.
فالسائق يجب ان يلتزم بعناية في التعليمات، فيتوقف عند كل محطة الوقت المخصص لذلك، ولا يجوز ان يتوقف خارج هذه المحطات اطلاقا، وعليه ان يحسن معاملة الركاب، وان يقلل الاحتكاك معهم، فالمفروض ان التكنولوجيا تغني عن الاسئلة والشرح.
بعد بدء التجربة على امانة عمان مع ادارة السير مراجعة ما حدث في الايام الماضية واستلهام الدروس للتطوير، وأول ما هو ملفت الحاجة لمظلات في محطات التوقف تحمي الركاب من الشمس والمطر، وتوفير بعض المقاعد لكبار السن.
ومن الضروري أيضاً أن تضع أمانة عمان مسميات للمحطات، ويكون في كل باص نظام مرئي ومسموع للإعلان عن المحطات القادمة ولحظة الوصول، وهذا معمول به في كل انظمة النقل المتحضرة.
حتى الآن التعرفة التجريبية قرش، ولا بد من إعلان التعرفة الحقيقية، وضروري ان تكون رخيصة ومشجعة حتى لو تحملت الامانة مساهمة في التكاليف، ومهم تقسيم التعرفة حسب المسافات المستخدمة، فمن يركب من راس العين إلى صويلح غير من يركب فقط من المدينة الرياضية إلى صويلح مثلا، وهذا يجب ان يرتبط بنظام الكتروني لاستقطاع القيمة الفعلية للاستخدام.
أخيراً أثار صديقي باسل الحمد على صفحته على الفيسبوك – وهو بالمناسبة من أكثر مستخدمي النقل العام حماساً ودعما – اسئلة من المهم دراستها والسعي للإجابة عليها وأبرزها، متى يحقق الباص السريع العائد من الاستثمار؟ وما هو مجموع الساعات التي سيوفرها للمستخدمين والمستخدمات الذين يذهبون لأعمالهم، وما هي كمية الوقود التي يوفرها استخدام الباص السريع؟ وما هي كمية ثاني اكسيد الكربون التي سيقل انبعاثها، وهل ستنخفض نسبة الحوادث في عمان؟ وما كلفة ذلك وأثره، وما هي الاثار الاجتماعية والحضرية لاستخدام الباص السريع في المجتمع؟
على أمانة عمان ألا تشعر بالإحباط من النقد وحتى السخرية، وان تبدأ بوضع تصورها للمستقبل لاستكمال تطوير منظومة النقل العام، فهذا وحده ينقذ عمان.