زنزنة الرميمين ...وعسكرة برقش
في دول العالم المتحضر نجدهم يسعون لزيادةً في مساحات أوطانهم الخضراء ويقومون على وضع برامج متشددة من أجل حماية جديرة باحترام لكل ما يمت للبيئة السليمة بصلة, رافعين شعارا لا يتزعزع بأن البيئة السليمة هي في الوطن السليم ,,,فهم يحرسون الأرض والغابات ويسيجونها برفق ومحبة من كل أذىً وتعدٍ, يمنعون فيها وبقوانين راسخة لا تعرف التهاون, كل مايسيء لها من إقامةًٍ لمبانٍ ومنشآت أو شقٍ لطرق أو قطع ولو لشجرة أو إعدام لغصن.
عندهم يذهبون لكل متصحر وخال من الحياة ليعيدوا له الألق والبريق , فتجدهم يضعون المخططات ويبحثون الإستراتيجيات التي تضمن بعثا لها من جديد , فذلك يشكل لهم تحد ٍ ليتجاوزوه , ويقوموا على وضعٍٍ لحلول ناجعة تقوض المستحيل وتجعله في عداد ماضيهم الغابر , حتى أنهم قد ينجحوا في تحويل لتلك المعضلات ويحولوها الى نماذج تسطر لها موقعا على خارطة المنجزات , والعالم يزخر بمثل تلك المشروعات فمثلا منتجع لاس فيغاس الذي أقيم في باطن الصحراء القاحلة ليتحول إلى معلم سياحي من الدرجة الاولى يستقطب القاصي والداني ليحقق دخولا مرتفعة لاقتصاد الولايات المتحدة لهو من النماذج تلك, ولو نظرنا ليس بعيدا حولنا نجد لبنان الشقيق ومحاولاته في المحافظة على ما تبقى من أرزه الغابر ليبقى شاهدا على تلك الشجيرات التي كانت تعمر تلك البقاع ولتصبح تلك الغابة مقصدا سياحيا لكل عشاق الأرض والبيئات البكر من أرضه الطيبة . والأمثلة متعددة ولا تحصى ولنا خيار في أن ننتقي ما يناسب تقاليدنا وموروثنا الحضاري ليكون لنا أنموذجا في حماية البيئة ومعطياتها وتعمير لها وعدم الإساءة اليها. .
في الأردن فإننا وللأسف نجد سياسة مغايرة لتلك التوجهات ومعاكسة لتلك الإستراتيجيات , رغم نداءاتنا المتوالية ورغم برامج التوعية التي تٌطرح ,إلا أننا نجد أن هناك بعض السياسات التخطيطية تجنح بعيدا عن كل ما يحافظ على بيئتنا وغاباتنا في بقاعه المحدودات, التي لا زالت تحتفظ بخضرة تبقت لها بعد قسوة من أبادوها في عصر العثمنة والعنت الذي عانت منه معظم بقاعنا العربية في تلك الفترة, وما كان من إعدام قسري لمعظم أشجاره وغاباته الجميلة من أجل مد لخط حديدي يربط مناطقه المترامية فما كان لنا إلا بقايا تلك الحقبة المؤلمة من بؤر تتناثر هنا وهناك نتمنى لها بقاءا في ظل تراجع مناخي أكثر قسوة أصبحت أمطاره لا تغني ولا تسمن من جوع وهي بالكاد لها أن تُبقي على ملامح تلك الخضرة المرتجفة باستحياء.
فالمستطلع لمشاريعنا التي يقصد بها تنمية وتحسينا لحال ,يجد أن جل تلك المشاريع تتركز فوق مواقعا استراتيجية منتقاة , تٌجتث من أجل إقامتها الآف الأشجار من معمرة وحديثة, وكأن الأرض ضاقت عليهم ليجدوا مواقعا تستحق أن تقام فوقها تلك المشاريع إلا هذه البقاع , التي باتت تأن من حزنها وظلم ذوي القربى من أبناء الوطن الذين حكموا عليها بإعدام سريع التنفيذ دون استئناف لحكم جار عليها, لتتسارع عمليات البناء وتدق أسافين الإسمنت وتغرس في جنبات روحها , متناسين نداءات من يحبون تلك الأرض ويهزهم اغتيال رونقها وبهاءها الأصيل , فتجدهم يسارعون لإقناع ركيك وكلام معسول عن فوائد سوف يجنيها من يسكن تلك المناطق من أهالي الديار .
نحن لسنا ضد برامج تنموية ورؤىً مستشرفة تخطط لتنمية للمناطق الأقل حظا , أو تسعى لتحسين حال ,لكن ما نحن ضده هو كيف أننا نترك تلك المساحات الشاسعات من صحراءنا المستأثرة بجل مساحات الوطن والتي تإن من تبوير وعدم اهتمام , ونتجه لتلك البؤر الشحيحة من خضراءنا لنأتي عليها ونقتلها بأيدينا ونجفف فيها عطاء الحياة . إن ما تبقى لدينا من عطاء بيئي لهو شحيح لا يحتمل ذاك الزحف الجائر عليه وتلك القسوة ,,,وإن كان لا بد من مشاريع تقام فلتكن مشاريعا تتواءم وتلك البيئات من منتجعات طبيعية وطرق جبلية وغيرها من مشاريع السياحة البيئية المتعددة بحيث لا نؤذي ارضنا وملاذنا الآمن, وبنفس الوقت تخلق فرصا لعمل مشرف وتحسين لدخل ساكني تلك الديار, فبدل زنزنة الرميمين الوادعه وعسكرة برقش النقية , لنزرع وردا وبساتين ريحانٍِ وغراسا من محبة وأمل من أجل أهلها الطيبين.