فايز شبيكات الدعجه - احتفل الصندوق الدولي للقطط قبل أيام 8 اغسطس باليوم العالمي للقطط. الاردنيون بكل أسف لم يحتفلوا . ولم يشاركوا سكان كوكب الأرض الاحتفاء بهذه المناسبة الفريدة . على الأقل لم نرصد في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية اي خبر أو تبادل للتهاني والتبريك، ولعلهم لم يسمعوا عن هذة المناسبة العزيزة من قبل، وهكذا مرت الذكرى دون أن يشعروا بها أو يعرفوا شيئا عن حفل المواء المهيب.
القطط عندنا كائنات مهملة وسائبة وغير مملوكة، واقتنائها داخل البيت يجري على نطاق ضيق. ومجرد مداعبتها أو الاهتمام بها وتكرار الحديث عنها عيب، وينتقص من هيبة الرجل الرزين ، ولا يمكن مقارنته بحديث الرجال عن الإبل والاكباش والخيول ولا بالكلاب حتى.
لأمر ما انشغلت في البحث عن تفاصيل الاحتفال وتفرغت لمعرفة فقراته . قررت أن أفعل شيء. أن أقيم احتفال مصغر أو ما يشبه الاحتفال، أقيمه لوحدي سرا، وأحرص على ان لا يلحظه أفراد اسرتي. ذلك أنهم سيصعقون ان ضبطوني متلبسا بممارسة طقوس الاحتفال الشاذة. وستذهب أفكارهم لا محالة بعيدا، وستساورهم الشكوك حول سلامة حالتي النفسية أو حتى حالتي العقلية، وقد اخضع لفحص عائلي عاجل، ولربما يتهامسون ويجتعمون في الخفاء ويقررون بشأني شيئا ما، عندها سيكون احتمال وضعي تحت الرقابة الحثيثة دون أن ادري احتمالا مطروحا بسبب هذا التصرف الطاريء ، وقد تطول فترة الرقابه إذا ما قاموا باستجوابي وانتزعوا مني اعترافا صريحا بحقيقة اني كنت بصدد ارتكاب افعالا ذات صبغة احتفالية بيوم القط.
لكن أجد لزاما القول انني باستثناء ما قالته لي الطبيبة من معلومات عن عالم القطط لا اعرف ما يزيد عما يعرفه عامة الناس، فلا اعرف كيف يحتفلون بيوم القط. ولا اعلم ان كانت القطط ذاتها تعلم عن عيدها ذاك، وفيما اذا كانت تحتفي وتفرح أو تقدر التكريم الإنساني لها. ولهذا انا بحاجة لمزيد من المعلومات ومنشغل بالتوصل لتفاصيل الاحتفال الذي أقامه الصندوق، وعن غاياته وأهدافه ومبرراته، فلدينا في حديقة البيت - أو للدقة حوش البيت -ما يزيد عن ثمانية قطط زائره أو مقيمه، فمن الصعب ادراك الحقيقة هنا ما بين الإقامة والزيارة.
لا ادقق في العاده بالألوان، وليس لدي أدنى فكره عن انواعها ، ولا اتحمل عناء محاولات التمييز بين الذكور والاناث، وانا ارقبها بكامل الرضى وهي تخترق حرمة البيت علانية بلا اذن، وتجول بحرية مطلقة وكأنها شريكة معنا او انه ملكها الخاص . تجتمع أو تأتي منفردة للتسكع أو للبحث عن ماء وطعام . نحن لا نهتم باطعامها. نقذف لها يوميا - ان تذكرنا وابتعد عنا الكسل- ما يفيض لدينا من بقايا طعام دون اهتمام . لا نعلم متى ومن أين تأتي ومتى تروح. بعضها ينام وبعضها يذهب للنوم إلى حيث لا ندري. أحيانا أراها تحفر التراب وتضع شيئا ثم تغطيه على وجه السرعة (خجولة) ، ولا تجلب معها في العادة اشياء قذره تلوث إرجاء المكان . لذلك أراها أمامي يوميا وانا اجلس اغلب الوقت في محيط البيت، متنقلا من مكان إلى مكان آخر حيث يكون الظل في هذا القيض الحارق، وحتى في الساعات المتأخرة من الليل.
ومع استمرار تواصلي اللارادي بالقطط أخذت تلفت انتباهي تدريجيا ، بل واهتمامي أيضا، وأصبحت احبها إلى حد ما، بيد اني لا زلت لا اعرف عنها الكثير. كل ما اعرفه انها تجتمع عندنا دون بقية الجيران لان بيتنا هو البيت السابع. حيث قالت الطبيبة فيما قالت ان القطط تأتي إلى البيت السابع. الخلاصة اننا كعائلة أصبحنا نحب القطط الحد الأدنى من الحب، وبدرجات متفاوته أيضا ، أو بالأحرى فرضت علينا ما يشبه الحب لوداعتها وجمالها وكثرة ترددها . تقريبا انا احبها نصف حب، رغم ما يقع بينها من حين لآخر في ساعات الفجر الباكر من شجار، يتخلله مطاردة وضوضاء ومواء صاخب، يطبق خلاله اطراف العراك قواعد الاشتباك، ولربما نخسر نحن اذا سقط أو كسر شيء مما نتركة في الحديقة فتوقظنا مبكرا ، وبذلك تسبب لنا بعض الخسارة والضيق والازعاج دون مبالاه .
إجمالا هي مخلوقات غير مؤذية ونعاملها بنعومة. واكثر ما نتخذة ضدها من اجراء اذا ما أخطأت اننا ننهرها بلطف عندما تحاول خطف الطعام من بين ايدينا، أو نطردها برقة ان هي تمادت وحاولت التسلل من فتحة ما في شباك المطبخ عندما تأتي بها رائحة الطعام. ومع هذا نخشى ان يصبح بيتنا الثامن، ومجددا أخذنا نرقب بتوتر بالغ اي أعمال حفريات محتملة لمشروع بناء بيت جديد في قطعة الأرض الواقعة بيننا وبين البيت السادس. ونحن بكل صراحة قلقون في هذا الشأن.
أعود إلى القول انني لولا طبيبة الأسنان الرقيقة لم تكن تتوفر لدى اي معرفة بعالم القطط غير تلك المعلومات السطحية المألوفة التي يعرفها اغلب الناس، وحصلت منها على معلومات إضافية لكنها لم تثر اهتمامي بطبيعة الحال، ربما احست بذلك ما كان سببا في فتور علاقتي بها قبل ان تنهيها لسبب اعتبره من وجهة نظري (واو بسيط) .
قالت ان للقط خمسة أصابع أمامية، وأربعة خلفية، وثلاثة عيون، وان فكها العلوي ثابت، وانها لا تتذوق الحلوى، ولا تحب العناق. صارحت الطبيبة بشكوكي حول مسألة العيون الثلاثة. اعترف انني لم أكن مهذبا في أسلوب المصارحة إلى الحد اللائق المقبول. وقد ندمت. كنت قد سألتها، وهل للقطط ثلاثة آذان أيضا؟ . وكانت تلك المصارحة أو ذلك السؤال غير اللبق سببا مباشرا في الاطاحة بصداقتي معها، واختفى حسابها من شاشة هاتفي النقال منذ ذلك الوقت.. منذ خمسة سنوات على وجه التحديد ..لقد ألغت صداقتي بالفعل. لم يزجعني ذلك الالغاء كثيرا على أي حال، طالما ان كل ما تربطنا من علاقة ليست سوى صداقة افتراضية فضائية عبر فيس بوك، كتلك الصداقات الوهمية المستحدثة التي أصبحت تجري مجري العادة بين الناس . لكن فاتني القول بأن لدى صديقتي، التي أصبحت الآن صديقتي السابقة أربعة قطط في البيت. قطط من نوع خاص. ثمينة. وذات أشكال وألوان . لها نسب، ولكل واحد منها اسمين. اسم حقيقي أو رسمي ان جاز التعبير، واخر للدلع. اذكر ان اسم الدلع لأحدهم (واو). واو تعبير أصبح يستخدم حديثا للدلالة على الكثرة.. بمعنى ان قطها ذاك ( واو ظريف وحلو). قططها ألاربعة مدللة، تعرف مزاج ومواصفات وأنواع الطعام الخاصة بكل واحد منها. وهي تحبها حبا كثيرا ليس له حدود ، وكانت طبيعة تواصلي معها محدده حصرا ولم تتعد يوما موضوع القطط. وكنت اوافقها على مضض. لكن بفعل ذكائها اكتشفت هذا المضض، وقصمت العين الثالثة ظهر البعير رغم محاولتي الترقيع، وترطيب جو العلاقة، وسردت لها قصة سيدنا ابو هريرة وما قرأته في الرواية اليابانية الشهيره( كافكا على الشاطىء) ، حول رجلين أحدهما يصيد القطط ويأخذها للبيت ويقتلها، والآخر يقال انه عبقري عندما يتعلق الأمر بالعثور على القطط المفقوده، استأجرته احدى العائلات للبحث عن قطا بنيا مخططا مقابل مبلغ كبير من المال، واستطاع تتبع صائد القطط وإنقاذ حياته في اللحظات الأخيرة وأعادته للعائلة.
لكن اكثر ما يؤلمني في حكايتي مع القطط انني دهست واحدا منها ذات يوم. تألم وصرخ ومات على الفور . وقع الحادث قبل ثلاثين عاما من الآن أثناء قيامي بالواجب وانا اطارد لص، وكنت على وشك القبض عليه ..توقفت فجأة لبضعة ثواني ثم استأنفت المطاردة. لكن تلك الثواني كانت كافية لفشل العملية، واختفى اللص بلمح البصر في منعطفات جبل عمان، واستغرقت عملية التحري وتعقبه شهرا اضافيا مرهقا إلى أن تم القبض عليه. منذ ذلك الحين أشعر بوخز الضمير كلما تذكرت الحدث، غير اني عرفت بالتجربه ان في القط أو للقط روح واحدة وليست سبعة ارواح كما يشاع في الموروث الشعبي.