زاد الاردن الاخباري -
كتب الدكتور منذر الحوارات - لا تكاد تخلو محاضرة أو لقاء لمسؤول سابق أو حالي إبتداءاً من رؤساء الوزارات او الوزراء وما اكثرهم وحتى المسؤولين دون ذلك المستوى، من تذمر لا ينقطع عن سوءالوضع الذي وصلت اليه الحال في البلد سواء على مستوى المؤسسات التي اصبحت مترهلة بنظرهم، وحالة الفساد التي تغلغلت وأصبحت تضرب اطنابها في عمق الدولة وتنخر جسدها وما أدى اليه ذلك من مديونية، وبطالة وفقر إضافة إلى تراجع أداء مؤسسات الدولة بكليته وبدون إستثناء، ولا ينسون طبعاً إنحطاط سلوك المجتمع وتراجع منسوب الاخلاق العامة، إلى ما دون المستوى المأمول لديهم، طبعاً لم يقم أحد بتحديد ذلك المستوى حتى الآن، ولا أنسى حديثهم الممجوج عن الشباب المظلوم والتائه بلا أمل وضرورة إيجاد دور لهم، وبعد كل هذه البكائية التي لا تنتهي يبدأ هؤلاء السادة بتحليل الأسباب التي أدت إلى ذلك، طبعاً يستطيع المتتبع أن ينتقي كل ما يخطر على البال من أسباب إلا سبب واحد، أن أياً منهم لم يعترف للحظة أنه قد يكون واحداً من الاسباب، هذا هو المستحيل بعينه، ومن جملة الاسباب التي يتكئون عليها بشكل أصبح متكرراً هو المجتمع الذي أصبح إتكاليلاً يفتقر الى القيم العامة التي تمتعنا بها سابقاً، ويتناسون أن ما يزيد عن مليون اردني مشتتون خارج بلدهم يبحثون عن مصادر لعيشهم، لو وجودها في بلدهم لما تجشموا عناء السفر والتغرب.
حينما اعتقلت القوات الالمانية الفنان بابلو بيكاسو سأله أحد الجنود عن لوحته (الغرنيكا والتي تجسد القصف الالماني لتلك المدينة وتدميرها) من فعل ذلك؟ فكان رده أنتم! وحينما يُسأل المجتمع من أوجد كل حالة التشتت والتشظي التي يعاني منها؟ سيكون جوابهم واضحاً دون مواربة (هم!)، ما ينفقون الساعات للإلتفاف عليه ومحاولة تبريره والتنصل منه ومن مسؤوليتهم عنه سيجيبهم عنه طفل أوي أي مواطن بأي مستوى! نعم فهم من أدار الدولة ومؤسساتها خلال العقود الماضية وهم من كانت ناصية القرار بيده ، فالترهل والفساد لم يكن وليد اللحظة، بل خططت له مجموعة من المنتفعين الذين جيروا تلك المؤسسات لصالحهم وبالتالي فقدت بوصلتها الوطنية وأتجهت نحو مصالحهم، وفقدت بالتالي قدرتها على التجدد والتطور وتوقف بها الزمن عند حدودهم لا حدود البلد ، والمؤلم المبكي أنهم من أوصلنا الى هنا وهم من يوكل اليه اصلاح الحال، فعليهم محاربة الفساد، وعليهم إعادة مؤسسات الدولة للعمل بديناميكية وحيوية، وعليهم إعادة التعليم الى مستواه، وعليهم تحقيق الديمقراطية، وهذه بحد ذاتها مُضحكة ، فجلّهم لا يؤمنون بالنقابات ، ولا بالاحزاب ، ولا برأي أحد غيرهم ، وحقوق الانسان بالنسبة لهم ترف فاسق جاءنا من الغرب ، ومع ذلك مطلوب كل ذلك منهم .
اعتذر عن كمّ القسوة في الكلام الذي لايمكن ان ينطبق على الجميع ، لكن حينما يصل اي شعب او أمة الى مستوى من التراجع يهدد بقاءه يجب أن يحاسب ذاته على الاخطاء التى أرتكبها وبمنتهى التجرد وينطلق في ذلك من الحاضر الى الماضي ، لا أن يلقي بالمسؤولية بشكل مطلق على المبني للمجهول فتلك جريمة في حدّ ذاتها ، فجلّ الشعوب التي نهضت إمتلكت الجرأة الكافية لمحاسبة ذاتها ، ومعاقبة كل مخطئ ، لقد جاء الوقت لإختصار كل المبررات التي يسوقونها والاعتراف بشىء واحد هو مسؤوليتهم عن ذلك فالشعب الذي يلومونه لم يكن ابداً شريكاً في صناعة قراراتهم بل من هو دفع ثمنها ، فالاستمرار بالتذمر من الشعب اصبح ممجوجاً وفقد معناه وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة .