زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا تقف القراءة السياسية الأردنية، عندما يتعلق الأمر بالملف الأفغاني تحديداً الذي يؤثر على كثير من المعطيات في المنطقة، عند حدود ما تقرره أو تفعله في المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي الإدارة الأمريكية الحالية التي تعتبر حليفة صلبة للخيارات الأردنية.
تراقب عمان، قيادة وشعباً، ما يجري في أفغانستان، الأمر الذي يجعل الكثير من الاعتبارات والقيم السياسية الأساسية والمرجعية الأردنية المعلنة على طاولة النقاش والحوار على أمل أن تتمكن الرؤية الرسمية الأردنية من التأسيس لوجهة نظر متوازنة وتنسجم مع المصالح العامة في الملف الأفغاني، خصوصاً أن قيام وإنشاء إمارة إسلامية في أفغانستان بضوء أخضر أمريكي يعتبر حدثاً من الصنف الذي يثير التأمل عند الأردنيين، ويدفعهم بصورة سريعة وليس زاحفة فقط للعمل على دبلوماسية اشتباك مع تفاعلات هذا الحدث.
نقاش حار
الجمهور الأردني أيضاً متابع حثيث لكل صغيرة وكبيرة تحصل في أفغانستان. وذلك كان نتيجة للجدل الذي ثار في الشارع الأردني على مستويات مرتفعة بعد الإعلان عن استقبال دفعة من اللاجئين الأفغان بصورة مؤقتة وعددهم 2500 شخص، قيل في وصفهم إنهم من العاملين أو المتعاقدين مع القوات الأمريكية في أفغانستان.
وبالرغم من حرارة النقاش الذي أثاره استقبال مجموعة من اللاجئين الأفغان في الساحة الأردنية، إلا أن وزارة الخارجية تحديداً تعاملت بصمت شديد مع التفاعلات الشعبية المعترضة، التي اتخذت مساراً ساخراً في كثير من الأحيان، بدلالة أن الناطق الرسمي باسم الوزارة أصدر تصريحين فقط، الأول تحدث فيه عن وصول اللاجئين الأفغان، والثاني وبعد نحو ثمانية أيام تحدث فيه عن مغادرتهم البلاد بموجب الاتفاق مع الجانب الأمريكي، بمعنى أن الأردن لن يشهد حالة لجوء أفغانية مستقرة.
لكن الإعلان عن مغادرة حصة من اللاجئين تعني أن الأردن يتفاعل أو في موقع التفاعل مع الأولويات والاستراتيجية الأمريكية في المعادلة الأفغانية .وتعني أيضاً أن المزيد من اللاجئين من أعوان الإدارة الأمريكية التي بقيت في أفغانستان لأكثر من 20 عاماً قد يصل لاحقاً إلى محطة الأردن اللوجستية قبل تأمين وثائقهم وأوراقهم ومصالحهم وسفرهم إلى دول غربية أو إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
في منطقة قريبة جداً من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، لاحظ مراقبون سياسيون بأن الأردن في الموقف الدبلوماسي على الأقل، لا يشعر بمزيد من القلق مما يحصل في أفغانستان، وهو وإن كانت لديه بعض الملاحظات لكن ما ظهر عليه الأمر هنا تحديداً أن عمان قد تكون في صورة الموقف الأمريكي وتفاصيل الانسحاب، وأيضاً والأهم، في صورة ذلك الخيط الرفيع الذي يؤسس أو أسس في أفغانستان لتصور تعاوني ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، باعتبارها النجم العائد بقوة للساحة الدولية والساحة الإقليمية.
تتحول طالبان بالمعنى إلى قوة أمر واقع يمكن عدم الارتياب فيها .
إضافة إلى ذلك، واضح تماماً أن المنقول في تعليقات الوزير الصفدي قد يؤشر إلى أن الحوار الذي تستضيفه قطر بين أطراف معادلات المجتمع الدولي والمعادلة الأفغانية كان له دور أيضاً في تأسيس موقف أردني يتعامل بهدوء، دبلوماسياً، مع تطورات وتدحرجات الملف الأفغاني، بدلالة أن العلاقات بين عمان والدوحة في الأسابيع القليلة الماضية التي أعقبت التحول الكبير في أفغانستان شهدت نمطاً كبيراً من التقارب والتفاهم، لا بل العمل على تبديد خلافات سابقة في الماضي، وبناء تصورات وتفاهمات جديدة بصورة كبيرة وغير مسبوقة.
مرونة أردنية
وذلك المحور في انتعاش العلاقات الأردنية القطرية ساهم فيما يبدو في ظهور مرونة أردنية كبيرة سياسياً عند استقبال قادة حركة حماس، وتحديداً خالد مشعل والشيخ إسماعيل هنية في عمان، ولو كان هذا الاستقبال تحت لافتة إنسانية.
لاحظ جميع المراقبين بطبيعة الحال، أن قيادات حركة حماس التي حضرت إلى عمان للمشاركة في تشييع جثمان الراحل الفقيد الشيخ إبراهيم غوشة، تمكنت من إجراء مقابلات سياسية الطابع واستقبالات وحوارات مع كثير من أركان وأطراف اللعبة السياسية في الأردن، ولكن بصفة غير رسمية وعلى أساس علاقة مباشرة مع الشارع، وبوضوح تمكن مشعل وهنية من مخاطبة قطاعات من الأردنيين وتوجيه رسائل سياسية، بمعنى أن زيارتهما الإنسانية إلى عمان لأغراض دفن المرحوم غوشة تخللها كثير من المرونة وكانت خالية من القيود، وهي إشارة على أن العلاقات الأردنية القطرية التي ترعى كلاً من حماس وطالبان بنفس الوقت، يبدو أنها تتخذ شكلاً جديداً.
يفهم الجميع من هنا أن الأردن الدبلوماسي لا يرى خطراً في تشكل حالةٍ تحكم فيها حركة طالبان أفغانستان، مع أن الأردن في المسألة الأفغانية شريك لاستراتيجية التحالف الدولي ضد الإرهاب، وله كتائب عسكرية طبية في الساحة الأفغانية لمساعدة الشعب الأفغاني.
وبالتالي، تتصور عمان الرسمية أن حركة طالبان دخلت في معادلة الإدارة والحكم، مما قد يؤسس لفهم جديد ومختلف لحركة حماس في قطاع غزة لاحقاً، إضافة إلى أن العنصر الأفغاني الجديد يحافظ على الدور الذي يجيد الأردن لعبه دوماً، ويعتبر صاحب خبرة كبيرة جداً فيه تحت عناوين مكافحة الإرهاب وتنظيمات إسلامية متطرفة أبرزها حركة داعش.
الزاوية الأقل صخباً
وعليه، يقف الأردن في هدوء حتى هذه اللحظة، سياسياً ودبلوماسياً، في الزاوية الأقل صخباً عندما يتعلق الأمر بالمشهد الأفغاني، ولا يقف عند حدود المراقبة فقط، بل يشارك المجتمع الدولي المراقبة الحثيثة لأداء حركة طالبان ويؤسس لنوع من الاشتباك والتفاعل مع استراتيجية حليفه الأمريكي في هذا السياق، خصوصاً أن وجود القوات الأمريكية في الأردن تطورعلى أكثر من صعيد مؤخراً، خلافاً لأن عمان أصبحت محطة لوجستية أساسية عندما يتعلق الأمر بإعادة تجميع القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني الاشتباك مع بعض تفاصيل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على نحو أو آخر.
من يراقب الأداء الدبلوماسي الأردني يفهم ضمنياً بأن النظام الرسمي العربي المحسوب على الولايات المتحدة بشكل خاص بدأ يحتوي ويستوعب المستجدات والتحولات المهمة التي تجرى الآن في أفغانستان، وإن كان تحت العباءة الأمريكية إلا أن ذلك قد لا يطول إذا كان الهدف الأمريكي الأبعد والأعمق هو مشاغلة دول أخرى مثل الصين وروسيا وإيران.
"القدس العربي"