لم يكن السير البطيء لعمليات الناتو ضد كتائب العقيد القذافي، يحتاج لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي الآن جوبيه، التي قال فيها ان حملة القصف الجوي ضد هذه القوات يمكن أن تحقق أهدافها خلال أشهر معدودة، لكي يعاد طرح السؤال المتعلق بحقيقة الاهداف الامريكية – الاطلسية في ليبيا.
والمدهش ان رهان جوبيه على ما يعتقد انه انجاز خارق، إمكان حسم المعركة خلال اشهر سيستمر خلالها ازهاق ارواح مئات المدنيين، بعد تفكيك الدولة على غرار ما حدث في العراق، يعتمد في جزء منه على ما سمي بقرار نشر طائرات مروحية عسكرية للمرة الأولى في العمليات العسكرية ضد قوات القذافي.
هذا الرهان قد تبدده بريطانيا الذي قال وزيرها لشؤون القوات المسلحة، ان استخدام طائرات هليكوبتر مهاجمة أحد خيارات يجري درسها، غيرانه لم يتخذ بعد قرار بشأنه، نافيا بذلك تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه التي سبق بها جوبيه بيوم واحد، وقال بأن بريطانيا ستبدأ في نشر طائرات هليكوبتر في ليبيا إلى جانب فرنسا في إطار عملية حلف شمال الأطلسي هناك.
وحتى لو لم ُيبدد هذا الوهم وتم الدفع بمثل هذه الطائرات الى سماء ليبيا، فما الذي يمكن ان يتغير بالواقع المأسوي للشعب الليبي في ظل استمرار تعمد نهج الغموض البناء لجهة استمرار الازمة الذي تبنته الولايات المتحدة وحلفائها بالاطلسي وشكل جوهر القرار 1973، واعاد تأكيده الرئيس اوباما وحليفه ديفيد كاميرون في مقال مشترك في صحيفة «التايمز» البريطانية قبل عدة ايام وقالا فيه إنهما لن يقفا موقف المتفرج وهما يريان آمال المحتجين في العالم العربي «تُسحق تحت وابل من القنابل والرصاص وقذائف الهاون».
وفي استدراك اراد له الزعيمان الامريكي والبريطاني ان يعيد بناء ذلك الغموض، اكدا انهما لم يكونا يرغبا في استخدام القوة لولا تلاقي ما اسمياها بمصالح اقتضت حشد المجتمع الدولي لحماية الشعب الليبي من نظام القذافي، دون ان يوضحا مضمون تلك الحماية وحدودها العسكرية او السياسية، اذ ان طبيعة العمليات الراهنة تدخل في اطار ذلك الفهم العام الذي كرسه قرار مجلس الامن الدولي نفسه.
ولما كان هذا الالتباس في موقف التحالف الدولي والتلكؤ في حسم الصراع، قد طفا على السطح مباشرة اثر اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية التي اسقطت شرعية النظام الليبي، فان ذلك كان يشير بقوة الى عمق التجاذبات الامريكية الاوروبية وخاصة الفرنسية، والصراع على مناطق النفوذ في العالم من ناحية، كما انه عكس عمق الخلافات بين اركان الادارة الامريكية حول الاسلوب الانجع في معالجة الازمة.
فعلى المستوى الاول لوحظ كيف ان فرنسا سارعت الى تأييد الثوار وكانت الاولى التي اعترفت بالمجلس الانتقالي، فيما تركت الولايات المتحدة لنفسها امكانية لتأمل، لم يطل اذ انخرطت اثر قرار مجلس الامن باقامة منطقة حضر جوي في عمليات عسكرية، وضعت القذافي خلال اسبوع واحد في موقف حرج، بيد انها بعد هذا الاسبوع علقت اشتراكها في الحملة وسلمت قيادتها الى الأطلسي في خطوة، رأت فيها بعض الاوساط السياسية مؤشر صراع على القارة الافريقية.
إما على المستوى الأمريكي، فقد سجلت أوساط سياسية وصحفية مطلعة ميل المخابرات الأمريكية لدعم ألقذافي الذي تربطه بها علاقات تنسيق تعود لأكثر من عشرين سنة مضت في إطار إعادة إنتاج علاقات الجانبين وجهود توريث سيف الإسلام المعروف بعلاقاته القوية مع هذه الجهات الاستخباراتية، فيما كانت اختيارات البيت الابيض ووزارة الخارجية تنحو باتجاه تكرار سياسة الاحتواء المزدوج لاستنزاف الثورة والنظام معا، كمقدمة لتكرار النموذج العراقي .
ورجحت هذه الاوساط انه لإنضاج النموذج العراقي سيصار الى صياغة تسوية بين المخابرات والخارجية تلعب خلالها المخابرات على الوقت عل العقيد يعيد سيطرته على الوضع، فيما يواصل البيت الابيض والخارجية سياسة مسك العصا من الوسط بانتظار ان تستكمل عمليات القصف المنهجي تدمير البنية الاقتصادية التحتية للدولة
وليس المقصود بالنموذج العراقي ان يتم غزو ليبيا واحتلالها، وإعادة تشكيل القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي، بل تدمير البينية التحتية والاقتصادية للدولة وإعادة بنائها امريكيا في سياق مشروع كوني يهدف إلي السيطرة على مفاصل الثروة العالمية، بإناطة عقود إعادة الاعمار للشركات الامريكية.
وفي هذا السياق بات ينظر الى تباطؤ عمليات الاطلسي العسكرية، التي تهدف اساسا لإطالة امد المواجهة بين الثوار والنظام لاستكمال تدمير البنية التحتية والاقتصادية للدولة وهو هدف دعا اليه صراحة رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز حيث طلب من الأطلسي توسيع نطاق غاراته الجوية لتشمل البنية التحتية في ليبيا، وهو امر يحقق هدفا مزدوجا الاول فتح اسواق عمل جديدة امام الشركات الامريكية والاوروبية، والثاني تكبيل اي نظام سياسي قد ينبثق عن الثورة بشروط دول تلك الشركات.
هاني الروسان