برقش الحسناء
عاتبني أخ وزميل عزيز لماذا لم أكتب عن برقش، فأجبته لعل الثورات العربية وعملية الإصلاح في الأردن استنفذت الوقت، وفضاءات القلم، ولكني لم أصرح له سوى بجزء من الحقيقة التي تعتمل في نفس كل أردني، ولعل الأمر كما قالت فيروز موجوع وما بدي أحكي عن وجعي!
يسترجع الإنسان في المحن حصيلة مكوناته الثقافية، وإزاء محنة برقش الحزينة أستذكر ما علمونا إياه في في المدارس (والعلم في الصغر كالنقش في الحجر) أن الأشجار مفيدة في الاستمطار، والحفاظ على البيئة، وتنقية الهواء، والتخفيف من التصحر، ومحاربة التلوث، إضافة إلى جمالها الطبيعي الذي يمكن أن يدر على الوطن المال السياحي، وعلمونا أيضا بأن الأردن فقير في غاباته التي لا تتجاوز الـــ 1 بالمئة من مساحته... وكانت كتب التاريح والثقافة الإسلامية تضرب المثل في تسامح الإسلام وسموه، فتذكر وصايا الخلفاء الراشدين لجيوش الفتح بأن لا يقطعوا شجرة، حتى لو كانت لأعدائهم، وأتخمتنا وسائل الإعلام في الترويج لعام الزراعة في الأردن، وأردن أخضر، والحفاظ على الثروة الحرجية... ونحتفل في كل سنة بعيد الشجرة، فيهب المواطنون لزرع الأشجار لاسيما في المدارس والجامعات، وأذكر قبل سنوات أن أحد النواب طالب بتحويل جزء من الغابات إلى مراع لإنقاذ الثروة الحيوانية، فقامت الدنيا ولم تقعد غضبا، وفُسر طلبه بأنه غير حضاري مع أنه برر ذلك لإنقاذ الحيوان، ومن ثم الإنسان، وفي دول الخليج العربي مع ما حباهم الله به من نعمة النفط نرى بعض حكوماتهم تضع عاملا على رأس كل شجرة للاعتناء بها.
إن استحضار جزء من الثقافة البيئية هذه الأيام هي محاولة لفهم السياسات الحكومية المستفزة للبشر والشجر بقطع أشجار برقش لإقامة كلية عسكرية، وكأن أرجاء الوطن وأجزاءه الصحراوية من العقبة إلى برقش ضاقت بالحكومة، فلم تجد سوى برقش الخضراء! أما تبرير فعلتها بإقامة المشاريع، وتطوير المنطقة، وتحقيق الفائدة لأهلها، فهذا كلام لا ينطلي على أحد، فبرقش الحسناء يليق بها المشاريع السياحية مثل تلفريك مثلا ليستمتع الأردنيون بحسنها من عل، والمنتجعات السياحية كالتي نراها في كل دول العالم التي تعرف قيمة الوطن الأخضر! وأما جنودنا البواسل وهم الأهل والحماة والسند، فيليق بهم شمس الأردن تعانق جباههم السمر مصدر فخرنا وعزنا، وفي عطلة نهاية الأسبوع يحتاجون هم وأسرهم إلى الحسناء برقش يتفيئون ظلال أشجارها السامقة، والمعلنة عن تاريخ الأردن المتجذر في ترابه مثل تجذّر سنديان برقش.