... تروي قصص القرآن الكريم أن رجلا مؤمنا من آل فرعون قد أخفى إيمانه برسالة سيدنا موسى عليه السلام لسنوات طويلة رافضا الكشف عن نفسه خشية بطش وجبروت فرعون ، وحين احتاج الأمر كلمة حق يقولها أمام السلطان الجائر وأعوانه الذين كانوا يدبرون مكيدة لقتل النبي موسى عليه السلام ، خرج الرجل عن صمته غير عابئ بنتيجة فعله التي يعلم أنها التعذيب والقتل ، صرخ في حضرة السلطان فرعون بالقول كما أوردتها الآية الكريمة : وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ...
تروي هذه القصة حال رجل من الرجال الذين تذكرهم كتب السيرة وتخلد مواقفهم بسبب موقف او كلمة تقال لتصويب الحال وكشف الأسرار ومعاندة الظلم وقهره ، وشدة على المنحرفين وأصحاب الأهواء، وابتعاد عن نفاق وتملق ومداهنة السلاطين وأصحاب النفوذ، ومواجهة للظلم والظالمين مهما عظم سلطانهم، ومهما كلف تحديهم، واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس والجهد والمال والمنصب والنفس من أجل نصرة الحق وإزالة المنكر وتغييره ، ذلك هو الرجل ( وليس كل الذكور رجال ) الذي يظهر إيمانه في وقت أشد ما يحتاج إليه الناس او الوطن من وقفة وموقف وكلمة تكشف كل مكامن الفساد وتصحح الأخطاء وتكشف الستار عن الخونة في كل عصر حين يخونون شعوبهم , وينهبون ثروات بلادهم ، أن مؤمن آل فرعون أعلن عن نفسه وعن موقفه دفاعا عن الحق ، وإلا ما فائدة الإيمان الذي لا تتضح آثاره في الوقت المناسب ! اذ لم يكن هو المقصود في المكيدة ، وكان له ان يحفظ روحه وأهله من بطش فرعون ، لكنه آثر التضحية والدفاع عن الحق وبالتالي غدا في التاريخ رجلا تذكره الكتب السماوية ويذكره التاريخ مثالا على موقف الرجولة والجرأة ، فلم يحسب للمنصب ومتع الحياة والقرب من السلطان حساب ! لكن الله والناس والتاريخ حفظوا له موقفه ورجولته وحفظه الله من بطش فرعون : فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب ..
في زماننا هذا،وفي بلادنا هنا ، يصمت الرجال حين يستلزم الكلام ، تطالهم التهم ، ويرجمهم الناس بالحجارة وهم أبرياء من تهم الفساد والتخريب ، يصمتون حين يعز الكلام ، يدوسهم الفاسد والملعون ولا يتكلمون ، صمتهم حماية للفاسد وإخفاء للحقيقة ، يصبحون سيرة على كل لسان ، يظن الناس بهم وهم فوق الشبهات ، فلماذا يضعون أنفسهم وتاريخهم هذا الموقف المحزن !! كانوا أنموذجا للنزاهة ولا زالوا ،يصمتون صمت الحملان قبل أن تذبحهم سكاكين الفاسدين المختفين وراء مناصبهم ومواقعهم ! كانوا شهود جريمة لم يشاركوا بها ، فأطلقوا على أنفسهم حكم الإدانة وخرجوا دون كلام ، وغادر الفاسدون قاعة المحكمة أبرياء فرحون ، فلماذا تحملون إزراء لا ذنب لكم فيه ، تختارون الصمت على الكلام ؟ تغادرون مواقعكم وكأنكم أصحاب الجريمة ! ماذا سنقول لأبنائنا وأصدقائنا الذين ذكرناكم بالخير طويلا في جلساتنا كلما تحدثنا عن القومية والنزاهة والرجولة والمواقف الحرة الجريئة ! إن صمتم انتم فمن يحمي الوطن !
هل أدخلوكم الوزارة لتكونوا مبيضي سياسات الفساد والترهل وحمل أعباء المرحلة !! أم أنكم اخترتم أن تكونوا كبش الفداء الذي بحثوا عنه طويلا واختاروا له الخيار من الناس من اجل أن يقولوا ان لا كريم ولا نزيه يعيش فوق الأرض هنا !! غادرتم مواقعكم كأنكم جناة فاسدون ، والفساد في بلادنا كالشمس نعرف مشرقها ومغربها ، فلا تصمتوا وقولوا للناس الحقيقة ، حتى لا نقول بكم ما يقوله الجاهلون بتاريخكم ، فانتم أمام خيارات ثلاث ، إما أنكم فاسدون ، وإما أنكم قبضتم ثمن التضحية ، وإما أنكم حملان يسهل ذبحكم على مذبح الفساد العريض في بلادنا ،فأيهم انتم !!!