زاد الاردن الاخباري -
أشاد كاتب اماراتي بموقف وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة المهندس صخر دودين بإعتذاره عن التحدث باللغة الانجليزية وتفضيله الحديث باللغة العربية خلال مؤتمر الاتصال الحكومي في الشارقة.
وقال الكاتب عوض بن حاسوم الدرمكي في مقال نشرته صحيفة البيان موجها حديثه لدودين " قد أحرجت من قبلك وورّطت مَن بعدك!"
وتالياً نص المقال:
ما زلت أذكر ذلك الاجتماع قبل عِدّة سنين، في غرفة ضمّت قرابة عشرين شخصاً، ليس بينهم أجنبي، لكن من كان يدير الاجتماع، اختار أن يكون النقاش بالإنجليزية، فقلت له ممازحاً: «يا بو فلان، ترى ولا واحد فينا اسمه جون أو ديفيد»، فضحك وضحك البقية، وهو يقول: «بروحي ما أدري ليش أكلمكم بالإنجليزي»، ثم واصل الاجتماع بكامله بتلك اللغة!
شدني هذا الأسبوع، موقف لوزير الإعلام الأردني، صخر دودين، والذي اعتذر في مؤتمر الاتصال الحكومي، عن الحديث بالإنجليزية، كما تسابق غيره من العرب لها، وأكد بأنه سيتحدث بالعربية، احتراماً للغته، ولبلاده العربية، ولوجوده ببلد عربي، فمن لا يُظهر الاعتزاز والاحترام للغته، التي تشكّل دعامة رئيسة من هويته، كيف له أن ينتظر احترام الآخرين، الذين يُلقون خطاباتهم بلغاتهم الوطنية، إلا مِن قِلّة تعاني شعوراً بالنقص، وهي دوماً مِن جنسيات معروفة لدى الجميع!
اذهبوا إلى ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، وبقية دولة أوروبا، انظروا واسمعوا بأي لغةٍ يتحدثون، وقلّبوا قنوات التلفاز، بحثاً عن قناة تُقدم محتوى إنجليزياً، فالمؤكد أنكم لن تجدوا إلا القنوات الإخبارية التي تُبثّ من بريطانيا أو أمريكا فقط، أما حشد القنوات المحلية، فقد تم «دبلجة» كل شيء يُعرَض فيها بلغة ذلك البلد، من مسلسلات الكرتون للأطفال، وحتى الأفلام والمسلسلات الشهيرة، مروراً بالبرامج الوثائقية، وكذلك المكتبات، وما تغصّ به من كتب وروايات ومجلات، لا تكون إلا بلغة البلد، إلا في حالات نادرة، فلماذا لم تعتمد هذه الدول الحليفة للولايات المتحدة وبريطانيا، لغتهما الإنجليزية كلغة «مُفضّلة»، كما نفعل نحن؟ ولماذا لم تصبح الإنجليزية شرطاً للتقدّم العلمي إلا عندنا فقط!
إن اليهود قد أعادوا لغتهم العبرية، التي اندثرت، وأخرجوها من قبرها، وأصبحت لغة الحياة والعلم لديهم، وليس الإنجليزية، وكذلك فعل اليابانيون والكوريون الجنوبيون والصينيون، برفض «وصاية» لغة أجنبية على ثقافتهم، فالعلم لم يكن يوماً من الأيام حِكَراً على لغةٍ بعينها، لذا، هم يترجمون كل شيء مفيد إلى لغاتهم، فيكتسبون المعرفة، ولا يسمحون لأحد بأن يسلبهم هويتهم، ويلغي خصوصيتهم، ويسحبهم خلفه ليُحاكوه بكل شيء، ورحم الله الرافعي الذي قال: «ما ذَلَّتْ لغةُ شعبٍ إلاّ ذُلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ»!
يجب أن نسأل أنفسنا: «من نحن؟»، إنْ قلنا نحن عرب، فكيف يستقيم أن نكون عرباً، لكننا «نستحي» أن نتحدّث بها في المؤتمرات الرسمية، ونهرب عنها للغات «هويات» أخرى، وشعوب مختلفة عنا تمام الاختلاف؟ إنّه لمن المخجل، أن نجد جيلاً أو شريحة كبيرة منه، لا تستطيع الحديث والكتابة بالعربية، رُبع ما تُجيده من الإنجليزية، فأي مستقبل يُبشرنا به من فَرَّط في واحد من أهم ركائز أي مجتمع، بل أي قرآن سيقرأه هؤلاء الذين يتأتؤون و«يتعتعون» من أول كلمتين عربيتين. هل سيضطرون إلى اقتناء نسخ مترجمة للإنجليزية، ليستطيعوا قراءته!
إن اللغة العربية، هي هوية المجتمع، وشعار دينه ووعاء ثقافته، وبذهابها يذوب العرب، ولن تبكي ذهابهم عين، وقد فرّطوا بهويتهم طوعاً، وانساقوا خلف أحابيل الغرب، من أنّ الفصحى معقدة لا تلائم العصر، وأنّ التقدّم لن يتم إلا باحتواء لغة الغرب، أو بأسوأ الأحوال، استخدام اللهجات العامية، فقد أصدر الألماني «ولهم سبيتا» عام 1880 م، كتابه «قواعد العربية العامية في مصر»، ومواطنه «كارل فولرس» عام 1890 م، كتاب «اللهجة العربية الحديثة في مصر»، والإنجليزي «سلدن ولمور»، كتاب «العربية المحكية في مصر» عام 1901 م، والقاضي الإنجليزي باول، كتاب «المقتضب في عربية مصر» عام 1926، وكانت دعوة الجميع لنبذ الفصحى، والاتجاه للعامية، لأنها أكثر مرونة، بزعمهم، وتبرّعوا بوضع قواعد لها، بل دعوا لاستخدام الحروف اللاتينية لكتابة هذه العامية، أمّا الفرنسيون، فقد استماتوا في محاربة العربية، لدرجة أن اخترعوا قواعد للغة الأمازيغية، وأقنعوا الناس أن أصولهم أمازيغية، وعليهم نبذ العرب وما جاؤوا به!
بالطبع، جرى خلفهم البعض من المحسوبين علينا، فخرجت عشرات المجلات، بما فيها مجلات الأطفال المصورة، تعتمد العامية، بدلاً من الفصحى، وتمخّضت عقلية فطاحلة الدراما عن دوام تصوير مدرس اللغة العربية بالأبله، الذي يعيش خارج إطار الواقع، والنتيجة نراها من جيل يظن حديثه بالإنجليزية، سيجعله يبدو ذكياً أو متحضّراً، لكنه في الحقيقة منهزم من الداخل، ولو كان بمقدوره التبرؤ من العروبة لفعل، فيا صخر دودين، قد أحرجت من قبلك وورّطت مَن بعدك!