حسن محمد الزبن - مضى مئة عام على الأردنيين، وما تبدلوا وما تلونوا، ظلت عباءتهم مُهابة لا تنتفض إلا لحفظ كرامة أو نصرة مظلوم، ولا تلتم إلا لحماية غريب أو مستجير، وهم السياج المنيع لمؤسسة العرش، والأردنيون الأجداد منذ القدم هم الحاضرون، فما زالت تتوالد جيناتهم وعاداتهم وموروثهم مع كل جيل أردني يولد على هذه الأرض، الأردنيون اليوم يحق لهم الإعتزاز بتاريخهم وتراثهم وقيمهم الأصيلة، وهم يمثلون ثقافات متعددة وأثروا وتأثروا بالمجتمعات الأخرى، واختلطوا فيها وتجانسوا معها، وأخذوا منها ما يتوافق مع دينهم وأصالتهم، وكان لهم دور في رسم معالم التقدم لدول مجاورة، ورفدوا سوق هذه الدول بخبرتهم وكفاءاتهم في كل المجالات التعليمية للمدارس والجامعات، وللمستشفيات وصروح الطب، والمصانع وأداروا السوق الإقتصادي والتجاري في المنطقة، ساعدهم في ذلك صفاتهم الرسخة من أطياب هذه الأرض الأردنية، من صفاتِ التسامح والتلاحم والكرم وقبول الآخر، وهمهم العمل والبناء لهم ولغيرهم، والغاية إستكمال مسيرة البناء لهذا الوطن رغم كل الصعوبات والتحديات، وشعار كل أسرة أردنية العلم والتعلُّم لأنهما الطريق للنهوض بالوطن محلياً وإقليمياً ودولياً. فهم على مسمى الأردن بمعناه أهل"الشدة والغلبة".
والأردنيون هم الأردن، فهو الوطن العزيز الذي تهون له الأرواح، وهو البيت الذي يضمهم من كافة الأطياف ، ويرعى هذا الوطن وهذا البيت المقدس هاشمي ورث الملك كابر عن كابر، أردنيون آمنوا بالاردن وطناً وبالهاشميين أسرة عظيمة تصون أمانة العرش الذي تتجدد له البيعة من الأردنيين على مرّ الأيام منذ تأسيس إمارة الشرق العربي ، ومؤسسة العرش لها كل الولاء ويبقى الأمل يحدوا الهاشميين في السير بخطى ثابته الى اجتثاث الفساد من جذوره والقضاء وبلا هوادة على الفساد والمفسدين، الأردنيون الحقيقيقيون هم القابضون على الوطن، وليس الأردنيون الذين خرجوا عن صف المخلصين وتلوثوا بالأنانية والنفعية، وأداروا البلاد بفسادهم الذي إذا ما إستمر سيحتاج إلى سنوات حتى يتعافى الوطن، فالاردنيون لاهم لهم الا الحفاظ على وطنهم وعرشهم وسيبقى الإنسان الأردني هو الأغلى والأجمل والأنقى.
الأردنيون يحق لهم الحلم بالاصلاح وبصوت مرتفع خشية ممن يحاول تفكيك الوطن والدولة، ، فالدولة الأردنية دولة عميقة بموروثها وخبرتها عبر عقود أمام أي تغير أو إضطراب في الإقليم، وفي العديد من المحطات التاريخية التي حاولت النيل منه منذ مئة عام التأسيس.
نحن الأردنيون نحتاج إلى إصلاح بنيوي وطني رشيد معزز بالحوكمة، ولدى الأردنيين الكفاءات والعقول في كافة الجوانب وهم القادرون على إدارة الإصلاح وتعزيز البناء الوطني بكل مؤسساته وترميمه إجتماعياً ونخبوياً وهيكلياً، حينها لن يقبل الأردنيون فكرة الالتفاف على الدولة التي أثبتت عبر مسيرة الوطن أنها تستجيب لطموح الشعب وأمانيه، وتدرك أن الإستقرار والأمن الإجتماعي والوطني هو الحماية من منزلقات الأيدولوجيا الخبيثة التي تستهدف العرش والوطن والأردنيون، وأنه لا بديل عن الإصلاح السياسي الذي يحفظ التوازن للجميع.
فخطاب الإصلاح بمصداقية ضرورة ملحة، واستقرار النظام ومؤسسة العرش، يعني إستقرار الدولة سياسياً وأمنياً على كافة الصعد المحلي والإقليمي والدولي. وهذا يرضي كافة الشخصيات الوطنية المعارضة وأصحاب الرأي الآخر وهم أصلاً مع المصلحة العامة والرأي الجامع للوطن.
فالإصلاح قرار سياسي يستجيب لإرادة الشعب، وهو طموح ونداء وطني لمؤسسة العرش لتهيئة الظروف إلى الإصلاح السياسي الحقيقي الذي يحفظ للنظام وقاره وهيبته ويحفظ للحكومة ماء الوجه أمام الإرادة الشعبية الوطنية أمام ترهل الدولة ومؤسساتها وضيق وضنك الحياة للمواطن وانتقاص حقوقه. ويجب الرجوع إلى الثوابت الوطنية الأساس والتي تجاوز عنها بعض الفاسدين والمتنفعين وتطاولوا عليها، وأساؤوا بممارساتهم لوجه الدولة العريقة مع جموع الشعب الأردني لتجعلهم يتخذون موقفاً مبدئياً تبدت فيه كل ملامح الحرص على الوطن والتشبث بأمنه واستقراره، وإذا ما تحقق الاصلاح ستظل الدولة بقيادتها ومؤسساتها قادرة على استيعاب الشعب الأردني الذي يدرك أنه يعاني ضريبة ظرف دولي يخيم على الجميع ومن ضمنها الأردن الذي له نصيب من أزمة عالمية لها تأثيراتها السلبية وستزول بالصبر والثبات كما تجاوز الأردن غيرها، وهذا يؤكد أن الأردنيون من أكثر شعوب المنطقة وعياً ومتابعة للحدث السياسي، ومن أكثرهم حرية في التعبير رداً على الخذلان والصمت الرسمي لأنهم كانوا يتوقعون ان ترتقي الحكومات لمستوى المسؤولية والمرحلة والضمير الوطني.
فالاختلاف لا يفسد للود قضية،وتكريس نهج الحكم الرشيد لدولة صمدت في وجه رياح التغيير ، واجتازت كل الصعاب، رغم كل الأنواء والعواصف التي اجتاحت العالم عموماً ومنطقتنا بشكل خاص، فإنه يجب أن ندرك ونحن مقبلون على عتبة جديدة من الإصلاح السياسي بإرادة سياسية واثقة أن تجاربنا السابقة لن تذهب مهب الريح ويجب التعلم من سلسلة النجاحات والإخفاقات التي حدثت، وأننا لن نسمح لأي فاسد أو متنفع من المنصب أن يستمر في أداءه الغير المرغوب شعبياً ويجب على ممثلين الوطن في البرلمان أن يكون صوتهم وإرادتهم واحدة بالتصويت على إقالته من منصبه إستجابة لرغبة الوطن.
ويجب أن لا ننسى وتيرة القلق لدى المواطن الأردني، وما نتج من عنف اجتماعي كان سابقة في تاريخ دولتنا، وكان مقدمة لمتاجرين في هذا الوطن الاستثمار في تسلل البعض إلى الشارع الأردني، ومحاولة زعزعة الثوابت الوطنية لدى أبناء الأردن الغيورين على وطنهم، وحول قيادتهم، وهم يسعون لتحقيق الحلم والأمل والحرية، تحكمهم المبادىء الراسخة وإرث الآباء والأجداد التي تؤكد أن البيعة الاولى لعبد الله الاول المؤسس إلى عبدالله الثاني المعزز !!. والمختلف يجب أن يؤتلف بين ما يطرح وطنياً لأي حكومة لا تلتزم ولم تنفذ خطاب التكليف السامي كما هو برؤية جلالة الملك للمرحلة القادمة، ولا يعني هذا أن المعارضة لا تقيم الولاء للعرش بما تطرحه من مطالب للحكومات المتعاقبة على السلطة بالاصلاح ومحاربة الفساد وارساء ديمقراطية حقيقية والتوقف عن التدخل بالانتخابات مع أو ضد أياً كان, وتحصين الوطن من المخاطر الخارجية, وتكمن قوتنا في مواجهة الأزمات والمعوقات الاجتماعية والجميع مسؤول لخلق المناخ لتجاوزها، فالحكومة مسؤولة ومؤسسات المجتمع المدني أحزاباً ونقابات، وكذلك الاسرة والمدرسة والجامعة ورجال الدين ووسائل الاعلام المختلفة.
خلاصة القول وقد انتهت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من مهام عملها وقدمت التوصيات وأقرت بإنهاء اعمالها بالمصادقة على مشروع قانون الانتخابات والاحزاب السياسية واقتراحات لتعديلات دستورية، بالتأكيد أن هذه التوصيات لن تمرر إلى مجلس النواب والحكومة بطريقة عبثية قبل عرضها على مجلس حكماء يضم نخبة من أهل الإختصاص في القانون والاقتصاد والسياسة والحوكمة والإدارة وإبداء الرأي في بنودها للوصول إلى صيغة توافقية تخدم الأردنيون والوطن ككل. وهذا ليس إنتقاصاً من الجهد المبذول ومن أيام التعب المضني والساعات الطويلة والمشاورات التي أجرتها اللجان الفرعية للجنة الملكية برئاسة دولة سمير الرفاعي، ونتمنى صياغة هذا القانون العصري الذي من شأنه ضمان تمثيل الاردنيين بشكل عادل واجراء انتخابات نزيهة وعادلة، وان تساعد هذه المخرجات التي ستصاغ بشكل قانون يصادق عليه الملك بأن تفضي في النهاية لتعزيز الاصلاح وتحقيق الحلم بالوصول الى برلمان حزبي وبالتالي الوصول الى حكومة برلمانية ذات برامج واضحة تخدم مصالح الأردنيين وتلبي احتياجاته التي يكافح لأجلها في عيش كريم وكرامة مصانة.
كما أنه لا تعني المطالبة بمحاسبة من نهبوا مكتسبات الوطن تحت أي حجة أنها تخل بالولاء للملك والعرش، فالإرث الشفوي والمكتوب بين القيادة والشعب معروف للقاصي والداني، ويحل في ذاكرة الأردنيين دائماً ولا يُنسى.