يُحكى أن رجلاً في سن الكهولة تزوج زوجةً ثانية، وكانت واحدة من نسائه تُدعى حانا، والأخرى مانا، وكان عندما يأتي إلى الصغرى تدلـله وتلاطفه في الكلام وتمسح على وجهه، وتخلع بعض الشعرات البيضاء من لحيته، حتى يبدو أكثر شباباً ليتناسب مع جيلها، أما الكبرى فقد أصابتها نار الغيرة، وبدأت تقلّد ضرتها في معاملتها مع زوجها، ولكنها كانت تخلع الشعرات السوداء من لحية زوجها ليبدو أكثر شيباً وكهولةً ليتلاءم مع جيلها هي !!
وبذلك خلعت نساء الرجل شعر لحيته بالكامل، فصار يقول : بين حانا ومانا ضاعت لحانا ...!!!!
اليوم عندما نعود لتاريخ اليمن السحيق، والذي كان في فترات من الزمن سعيداً، نجد بأنه شهد العديد من الممالك التي تركت ورائها حضارات كبرى، مثل مملكة سبأ، ومعين، وحضرموت، وحمير، وغيرها.
ولكننا عندما نرى حال اليمن اليوم، وهو على أعتاب حرب أهلية جديدة، تعود بنا الذاكرة مرغمة إلى تاريخ اليمن المعاصر.
فحقيقة أن اليمن كان دائماً من أوائل المتأثرين بالثورات المصرية هي حقيقة لا يمكن أن ينكرها متابع للتاريخ، الأمر الذي رأيناه في الثورة المصرية الأخيرة بداية هذا العام.
كان اليمن في العام 1952م مقسماً إلى يمن جنوبي غني بالنفط يقع تحت الإستعمار البريطاني في ذلك الوقت، ويقاومه أشد المقاومة، ومملكة يمن شمالي محكوم من قبل الأئمة الزيدية، يعيش فيه الشعب اليمني أقسى أنواع الفقر والتخلف، في بلد ساد فيه الإقطاع، حتى إن مستوى دخل الفرد اليمني قد أعتبر أقل الدخول في العالم، وقد أقر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة في العام 1956م أن 75% من الأراضي المنزرعة باليمن مملوكة لأقل من 10% من الملاك !!، وقد أدى هذا الفقر البالغ إلى إنتشار كافة أنواع الأمراض الخطيرة بين أبناء الشعب مثل مرض السل الذي وصلت نسبته إلى 50%، والأمراض التناسلية والتي وصلت 80%، وغير هذه الصور الكثير من الظلم والفقر والتخلف، وعندما قامت ثورة الضباط الأحرار في مصر تأثر بها الشعب اليمني كثيراً، وحاول أكثر من مرة أن يطلق ثورته في وجه الظلم، كما حدث في العام 1955م، و1961م، وحتى قبل ذلك في العام 1948م، ومن الطريف ذكره ما ذكره الكاتب صبري غنيم في أحد كتبه، بأن وكالة أنباء "و.أ" من عدن، أذاعت خبراً في 01-08-1952م، تقول فيه: ((أن الإمام حينما تلقى نبأ تنازل الملك المصري عن العرش بلغ به الإضطراب حداً ألجأه إلى الإنزواء في قصره، تاركاً كل وزرائه، وكل من أتى لزيارته، وفي اليوم التالي أصدر أمره بإلغاء كل الرخص الممنوحة للمقاهي لإستخدام الراديو، ومصادرة كل أجهزة الراديو من اليمنيين حتى لا تصل إليهم أخبار الثورة المصرية !!!))
ولكن ورغم كل هذه المحاولات لقمع الشعب اليمني، إلا أن الثورة اليمنية قامت أخيراً في العام 1962م في وجه الحكم الإمامي الزيدي وفساده، وإن تأخر ذلك عشرة أعوام.
تلك الثورة التي دعمتها مصر، ليس معنوياً فقط، بل وبآلالاف الجنود من الجيش المصري الذين رابطوا في اليمن للدفاع عن الثورة، وحمايتها حتى تحقيق أهدافها.
الأمر الذي أدى لإنقسام العالم العربي إلى مؤيد لثورة الشعب اليمني، وآخر لا يؤيدها، ولتشتعل الحرب الأهلية في اليمن، والتي لم تنتهي إلا بإتفاق ملك السعودية فيصل بن عبدالعزيز، ورئيس مصر جمال عبدالناصر (رحمهما الله) في العام 1970م، على إنهاء الحرب، وسحب جميع القوات من الأراضي اليمنية، والإعتراف بالجمهورية اليمنية القائمة بعد الثورة.
في هذا الوقت كان اليمن الجنوبي أكثر هدوءا بعد حصوله على الإستقلال من الإستعمار البريطاني في العام 1967م، بعد مقاومة وقتال شرس نتج عنه جمهورية اليمن الجنوبي.
الحرب الأهلية اليمنية إنتهت في الشمال اليمني في العام 1970م، ثم توحد اليمن الشمالي والجنوبي في العام 1990م، في جمهورية يمنية واحدة، ليتفائل الجميع بوحدة الشعب والأرض اليمنية أخيراً، ولكن أوار الحرب الأهلية ما فتئت أن إندلعت بعد أربعة أعوام من الوحدة، لتستمر قرابة الشهر قبل أن تنتهي بسقوط العديد من الضحايا المدنيين ...
اليوم نجد الشعب اليمني من جديد من أوائل المتأثرين بالثورة المصرية، ولكن نرى الشعب يريد نتف شعر الرئيس الذي شاب وأغرق في الفساد، والإجرام في حق شعبه، وفي المقابل نجد الرجل متمسك بكرسيه، ويقوم بكل شئ من أجل ذلك، حتى وإن كان ذلك يعني القتل، والتنكيل، ونتف كل شعرة تمثل خط الشباب اليمني الطامح إلى مستقبل أفضل لبلده وأهله.
بين سيادة الرئيس الذي لا يعرف التوقيع على حقن دماء شعبه، إلا وشعبه صاغراً ذليلاً تحت قدميه في قصره، وبين شعب يصارع الأمرين من القتل والتنكيل ليل نهار، وينتظر الفرج من عند أعدل العادلين، نجد شعر مستقبل اليمن وأبناء اليمن يتم نتفه بالكامل.
وبين حانا ومانا ... ضاعت يمننا ... أمام أعيننا....!!!!
لله درك أيتها الشعوب العربية كم عانيت من المآسي بيد أعداء الأمة ... وبعض أبناء الأمة للأسف !!!
ولكن يبقى ظلم ذوي القربى أشد مضاضة ..... على النفس من وقع الحسام المهند ....