زاد الاردن الاخباري -
ما ان تذكر منظمات المجتمع المدني حتى يتبادر للذهن مفردات كالاجندة والتمويل, فالاجندة تحمل اتهاما مسبقا, تسعى تلك المنظمات لدفعه باعلان صدق نواياها فيما يروج المشككون في اهدافها, قائلين بانها قد تشتبك او تتقاطع مع المجتمع والحكومات تبعاً لرغبات صاحب المال, اما التمويل وغالباً ما يقصد به الخارجي فهو القضية الاعقد ويشوبها الخلاف, ويكاد الحوار فيها او حولها يشبه حقل الالغام فإلى اي مدى تستطيع منظمات المجتمع المدني الانصياع لرغبات الممول, ومتى يصبح التمويل خطا احمر..؟
ابراهيم سفهان -
حزبيون ونقابيون يربطون ما بين التمويل واثارة الفتن والنعرات بجميع اشكالها بين افراد المجتمع المحلي, في حين يرى ناشطون وعاملون في منظمات المجتمع المدني بأن منظماتهم تهدف الى تطوير المجتمع, وزيادة تكاتفه من خلال دراسات تعدها بهدف تذليل العقبات الاجتماعية والعمل على ايجاد الحلول المناسبة لها.
وتتمثل مؤسسات المجتمع المدني في الجمعيات والهيئات التطوعية, والاحزاب السياسية, والنقابات المهنية, والعمالية, والاندية الرياضية, والاجتماعية, والثقافية, وغيرها من المؤسسات الاخرى التي اسسها افراد بحكم ميولهم التطوعية, وخلفياتهم المهنية, وانتماءاتهم الفكرية, بموجب التشريعات النافذة في بلدانهم.
وبحسب الموقع الالكتروني لوزارة التنمية الاجتماعية فان تاريخ المجتمع المدني في الاردن يعود, الى عام ,1912 الذي شهد تسجيل اول جمعية خيرية, وهي جمعية دور الاحسان الارثوذكسية في مادبا.
كما تعنى وزارة التنمية الاجتماعية بموجب التشريعات الناظمة لعملها بنوعين من مؤسسات المجتمع المدني, احداهما يسجل لديها الجمعيات والهيئات الاجتماعية المحلية, التي وصل عددها حتى منتصف شهر اذار من عام ,2007 الى 1171 جمعية, ينتمي اليها اكثر من 100000 متطوع, منهم 80% ذكورا, و 20 % من الاناث, والجمعيات العربية, والاجنبية, البالغ عددها 49 جمعية, والمؤسسات الاهلية التطوعية لرعاية ذوي الظروف والاحتياجات الخاصة.
اما النوع الاخر من مؤسسات المجتمع المدني, فهو لا يسجل لديها, لكنه على صلة وثيقة باعمالها كالمجلس الوطني لشؤون الاسرة, والمركز الوطني لحقوق الانسان, والجمعيات الاهلية المسجلة بموجب قوانين خاصة كمؤسسة نهر الاردن, والصندوق الاردني الهاشمي للتنمية البشرية, ومؤسسة الملك حسين, والهلال الاحمر الاردني.
المشاركة بالسلطة:
الدكتور احمد الشناق امين عام الحزب الوطني الدستوري يرى ان الاحزاب ليست ضمن مؤسسات المجتمع المدني, باعتبار مؤسسات المجتمع قائمة على قاعدة اجتماعية اقتصادية, وبما يخدم مهنة او شريحة معينة, في حين يقوم الحزب على اساس سياسي, اقتصادي واجتماعي, بهدف المشاركة في السلطة بنوعيها التنفيذي والتشريعي.
وعن الدعم للاحزاب يقول الشناق: الدعم لا يكون للحزب بل للبرامج الحزبية وهو دعم داخلي, ولا يجوز تحت اي ذريعة كانت ان يتلقى الحزب تمويلا ماليا او معنويا من الخارج.
المادة 22 من قانون الاحزاب السياسية النافذ رقم 19/2007 فقرة ه¯ على الحزب الالتزام بعدم الارتباط التنظيمي او المالي لاي جهة غير اردنية او توجيه النشاط الحزبي بناءً على اوامر او توجيهات من اي دولة او جهة خارجية.
اما فيما يخص الدعم الخارجي لمؤسسات المجتمع المدني يرى الشناق ان الدعم الخارجي الذي تحصل عليه بعض المؤسسات يسعى لاثارة الفتن على اساس من العرقية والطائفية والمذهبية, وهي لا تعمل الا على اجندة الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد; وبالتالي التأثير على الهوية الوطنية الاردنية.
ويدلل الشناق على هذا, بقوله ان احد مراكز الدراسات وفي الثلاث سنوات الماضية, اجرى استطلاعا للرأي العام الاردني, وكانت بعض الاسئلة الموجهة للمواطنين تثير النزعة الاقليمية بين الاردنيين وبعضها الاخر يمس السيادة الوطنية.
ويضيف هناك بعض الانفلات من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والاحزاب.
الافتقار:
ويرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي ان مؤسسات المجتمع المدني في مجملها تنقسم الى قسمين: قسم يعد المشاريع بما يتناسب وخططه وتنمية المجتمع المحلي ثم يبحث عن التمويل الخارجي, والاخر يبحث عن التمويل مسبقا وهو يتكيف واولويات الممول واجندته.
ويضيف غالبا ما تلجأ مؤسسات المجتمع المدني للدعم الخارجي لافتقارها للدعم المحلي, وبالتالي لا يمكن لبرامج الدعم كافة ان تمر عبر قناة واحدة, ما يضع الناس في حالة من البلبلة.
وكبديل عن الروابط والعلاقات الانسانية الضيقة يضيف الرنتاوي يجب علينا كمواطنين ومؤسسات وحكومة تشجيع وجود هذه المؤسسات في المجتمع, فالدولة الحديثة تقوم على مؤسسات المجتمع المدني التي من شأنها تسريع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية, ما يعني توفير فرص عمل للكثير من ابناء الوطن.
ويرجع الرنتاوي عدم المس بالهوية الوطنية لهذه المؤسسات سواء كان تمويلها من الداخل ام من الخارج, باعتبارها مرتبطة بالدولة والمؤسسات والمواطنين على حد سواء.
تطبيع مجاني:
ويتفق مع الشناق في امكانية وقوع الضرر إلا انه يذهب اكثر منه اذ ان الضرر المحتمل من وجهة نظره هو وقوع التطبيع المجاني مع اسرائيل.
ويؤكد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية احمد عوض ضرورة وأهمية وجود مؤسسات المجتمع المدني في الاردن, وذلك للخدمة التي تقدمها تلك المؤسسات لتطوير اداء مجتمعها, عبر الدراسات المحايدة او الاستطلاعات او المواقع الالكترونية الخاصة بهذه المنظمات.
ويبين عوض بأن منظمات المجتمع المدني رديف للحكومات وليست منافسا لها, وتستطيع الحكومات الاستفادة من ابحاث هذه المنظمات للخروج بقرارات تفيد صاحب القرار.
ويرد عوض على الشناق بأن وجود مؤسسات المجتمع المدني لا تساعد على اثارة النعرات الاقليمية والطائفية والمذهبية, بل هي تعبد طريق مجتمعها وتحمي تنوعه ووحدته وهذا هو عملها, ولا يوجد اي نشاطات ذات علاقة مع اسرائيل, فالغالبية العظمى من مؤسسات المجتمع المدني ضد تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
ويضيف انه على ضوء قراءتنا لحاجات المجتمع, نحدد اولويات العمل, ثم نبحث عن ممولين لدعم جانب من المشاريع التي اعدت مسبقا, لخدمة المجتمع المحلي.
وعن اهمية وجود مثل هذه المؤسسات يقول عوض: نحن بأمس الحاجة لوجودها, لتحليل وفهم الصعوبات التي تحول دون تطور المجتمع واللحاق بركب المجتمعات المتطورة, ولنقل المجتمعات العربية من آخر السلم في مختلف مؤشرات التنمية الانسانية, مثل الحريات العامة والشفافية ومستويات الديمقراطية, ومعدل دخل الفرد, وتشغيل المرأة.
المساس بالمجتمع:
إلا ان مقرر اللجنة الوطنية للاسرى ميسرة ملص, واستاذ الاقتصاد في جامعة الزيتونة د. ابراهيم علوش, لهما رأي اخر اذ يرى علوش ان الثمن مقابل الدعم الخارجي هو المساس ببنية المجتمع المحلي وثقافته وبيئته السياسية.
ويضيف ان ما جاء في كتاب - من يدفع للزمار - للكاتبة فرانسف سوندرز والذي وثقت به دور المخابرات المركزية الامريكية cia في اختراق وتجنيد عالم الثقافة والفن والجمعيات غير الحكومية في سياق الحرب الباردة, لم يقم اساسا على البعد الامني, بل على اساس انتاج منظمات غير حكومية, ويوضح بتلك الطريقة استمرت الحرب الثقافية ضد العالم الثالث عامة والوطن العربي خاصة بهدف اجتثاث حركة المقاومة والسيطرة عليها.
الانسياق:
من جانبه ملص عضو لجنة مقاومة التطبيع يتفق مع علوش والشناق بقوله: ان التمويل الاجنبي هو انسياق في مشروع معاد للامة الاسلامية, يستهدف مراعاة مصالح الغرب بذريعة تطوير المجتمعات المحلية. ويؤكد بان استمرار الدعم الخارجي لمؤسسات المجتمع المدني من شأنه جمع معلومات لصالح منظمات غربية او لاثارة الفتن والتناحر الداخلي.
يطالب ملص بايجاد تشريع يمنع التمويل الاجنبي, من دون التأثير على كينونة هذه المنظمات.
شروط التمويل:
القائم باعمال مدير الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية, ابراهيم التميمي قال ان حدود رقابة وزارة التنمية الاجتماعية تنحصر فقط على الجمعيات الخيرية التي تقع مباشرة تحت اشراف الوزارة.
واضاف: هناك شروط لا بد من توفرها في اي تمويل خارجي منها: ان يكون مصدر التمويل مشروعا وغير مخالف للنظام العام او الآداب. وان لا تتعارض الشروط التي حددتها الجهة الداعمة مع احكام قانون الجمعيات والنظام الاساسي لها, وان يتم استخدام التمويل للغاية التي تم تقديمها لاجلها.
واكد انه على الجمعية التي ترغب بالحصول على اي تمويل اجنبي, اشعار مجلس الوزراء بذلك على ان يتضمن الاشعار مصدر التبرع او التمويل وقيمته وطريقة استلامه والغاية التي سينفق عليها. ولمجلس الوزراء تحويل المبلغ الى صندوق دعم الجمعيات او اعادته لمصدره.
خدمة المجتمع
وعن المعايير التي تعتمد للحصول على الدعم الخارجي اوضح التميمي بانه يجب ان يتوافق طلب التمويل مع متطلبات قانون الجمعيات وشروط التمويل من ناحية, وان يصب في خدمة المجتمع المحلي من خلال تنفيذ مشاريع وبرامج وانشطة تساهم في خدمة الفئة المستهدفة من التمويل.
ويؤكد التميمي ان التمويل او التبرع الاجنبي يسهمان في تنمية المجتمع المحلي, ويساعدان على توفير فرص عمل من خلال تنفيذ المشاريع والبرامج والانشطة التي تهدف بناء قدرات المجتمع الاردني بكافة فئاته.
العرب اليوم