بعد العشاء بدأت بتناول تشكيلة شهية من الأدوية، فاثنان منها لمعالجة ارتفاع ضغط الدم أتناولهما منذ عشر سنوات، وبالضبط منذ تاريخ أحداث سبتمبر حيث كان الطبيب يقحصني قليلا ويخرج من العيادة إلى الممر مسرعا لمتابعة الأحداث على شاشة التلفاز ثم يعود إلي وعقله في نيويورك وواشنطن، ودواء ثالث للتقليل من ارتفاع السكر في الدم، ورابع لتمييع الدم خوفا من الجلطات القلبية، وخامس لتخفيض ارتفاع نسبة الدهنيات والكولسترول – والحمد لله أن أعراضي كلها ارتفاع- طبعا هذه التشكيلة أتناولها يوميا منذ سنوات خصوصا بعد أن تركت الوظيفة وبدأت العمل في القطاع الخاص.
وبعد زيارتي الميمونة قبل أسبوعين إلى أخصائي الحساسية يمكن أن نضيف إلى التشكيلة الدائمة السابقة دواء سادسا بخاخا كورتيزونيا غازيا، وشقيقا له سابعا من نفس الفصيلة الكورتيزونية ولكنه حبيبات دقيقة، كما وأكرمني بدواء ثامن موسع للقصبات على مدى شهر.
أما عقب زيارتي الأخيرة قبل ثلاثة أيام لأخصائي الأنف والأذن والحنجرة فقد أضاف إلي دواء تاسعا مضادا حيويا لالتهاب الأذن، ودواء عاشرا مضادا حيويا لفطريات اللسان الناجمة عن استخدام البخاخات السابقة، ودواء حادي عشر لم أقف تماما على وظيفته ولكنه بالتأكيد ضروري ومهم وفاعل، ودواء ثاني عشر بخاخا كورتيزونيا لحساسية الأنف ، ودواء ثالث عشر دهونا للأنف أيضا لترطيبه.
أما أنا فلي دوري أيضا، فالإنسان هو خير طبيب لنفسه، فقد استبقت العشاء بدواء رابع عشر مضاد للحموضة، وختمت العشاء بدواء خامس عشر فوار للقضاء على عسر الهضم، وكنت في طريقي إلى البيت قد تسوقت بشراء بعض الأدوية التي أحبها، فكان دوائي السادس عشر شرابا للسعال وتوسيع القصبات جربته ووثقت به منذ سنوات عدة لي ولجميع أفراد العائلة، أما دوائي السابع عشر فهو حبوب مص للتخفيف من آلام التهاب الحلق، ودوائي الثامن عشر فحبتان مسكنتان للتخفيف من آلام المفاصل، وختمت أدويتي بدواء تاسع عشر استرقته من أدوية بنيتي المصابة بالحساسية أيضا وهو بخاخ كورتيزوني فعال للأنف أحس براحة شديدة كلما استعملته.
وبعد أن تفاعلت هذه الأدوية التسعة عشرة في معدتي الصغيرة أصبت بحكة شديدة في مختلف أنحاء جسمي، وألم بي أرق شديد جعلني أفر من غرفة نومي التي يحتلها بني الرضيع المصاب بالحساسية أيضا، والذي لم ينم منذ ليلتين إلا بتأثير محاليل الكورتيزون المختلفة ومضادات الهستامين والمضادات الحيوية للالتهابات وأدوية السعال والتبخيرات الفنتولينية الموسعة للقصبات، إضافة للتحاميل ولاصقات الجبين الصينية والاستحمام الدائم على مدى ساعات لتخفيض حرارته، وبدأت أفكر باللجوء إلى غرفة الأولاد، لكني أعرف طقوسهم الغريبة للنوم وسط أضواء ساطعة وآلات رقمية مختلفة للألعاب الإلكترونية ترافقهم في فراشهم وتصدر أصوات غريبة طوال اليل، فعدلت عن الفكرة وتسللت إلى غرفة البنات حيث ألقيت جسدي المنهك بالأدوية حتى كأنه صيدلية متنقلة والساعة قد جاوزت الواحدة والنصف فجرا، وبعد أقل من ساعتين استيقظت مذعورا على سعال شديد لبنيتي المتحسسة والتي أجرينا لها في اليوم الفائت فحصا لاختبار الحساسية كلفته تزيد عن سبعين دينارا، وتذكرت أنني في الزيارة الواحدة لأخصائي الحساسية لي أو لأحد أفراد العائلة أخرج بفاتورة دواء لا تقل عن تسعين دينارا، علما بأن هذه الزيارة شهرية غالبا وأحيانا أسبوعية.
ذهبت إلى المطبخ حيث خففت من حدة آلام حلقي بهرس برتقالة وشيء من المحرمات (حبة شوكولاته)، ونظرت في الثلاجة لأجد عشرات الأصناف من الأدوية قد عبأت الأدراج والأرفف حتى زادت عن أصناف الطعام والخضار والفاكهة أضعافا مضاعفة، وتزاحمت الأدوية على مائدة الطعام وتعثرت أقدامي بعلب الأدوية الفارغة ملقاة على الأرض في كل مكان، حتى تخيلت نفسي أغرق وسط بحر متلاطم من الدواء والأدواء والأمراض والسقام.
وكان الوقت حينها قد أوشك على أذان الفجر الأول، فتذكرت أنه لا بد من إكمال أدويتي التسعة عشرة بالدواء العشرين، فتوضأت وصليت ركعتين ودعوت الله تعالى أن يرفع عني وعن أولادي وعن شعبنا الأردني غمة الحساسية وكرب أمراضها المستفحلة والتي أصابت أكثر من نصف الأردنيين وتكلفهم مئات الملايين من العلاجات والخسائر والإجازات المرضية وتعطيل الإنتاج والمضاعفات الخطيرة القاتلة.
دعوت الله تعالى أن يرفع عنا رطوبة المنازل وعفن الجدران في الشقق السكنية المغشوشة وغير المعزولة، وأن يرفع عنا تلوث الهواء والماء والغذاء بعوادم المركبات ودخان السجائر ومخلفات المصانع السامة، وأن يبعد عنا شر المفاعل النووي الأردني القادم وسرطاناته والذي أصر أصحاب القرار إلا أن يقام وسط المناطق الخضراء المأهولة تاركين أكثر من تسعين بالمئة من مساحة الأردن الصحراوية النائية، وأن يجنبنا شر هرمونات الدواجن والخضار والأغذية المعدلة وراثيا والمواد الحافظة والوجبت الدسمة السريعة، وأن يقينا أمراض الطيور والمواشي بدءا من الإنفلونزا و انتهاء بالجمرة.
أذن الفجر الصادق، فجلست إلى حاسوبي أخط هذه الكلمات من معاناة ليلة أظن أن الكثيرين عاشوا مثلها، وأعنونها بهذا العنوان الذي لم أجد مثله دواء وشفاء "وإذا مرضت فهو يشفين".. نعم .. إنه (الدواء العشرون).
المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات
hishamkhraisat@gmail.com