مَنْ عَلَّمَ الصّبيانَ الْفَسَاْدَ غَيْرَ هُلَيِّلْ؟!
منذ أن تابعت الفلم الأردني (محاربة الفساد) الذي يبثُّ على غرار الأفلام الهنديّة منذ سنوات ولغاية الآن ولا يُرجى الوصول لِحُبكته حتّى عند أكبر المتفائلين؛ ونفسي تُشغِلُني بسؤالٍ مُلِحٍ منها وتريد عليه منّي الإجابة...، وزاد بإلحاحها ما تعرفه عنّي من خلال عشرتها الطّويلة، إذ دائماً ما تقول لي: (إنته الله يسلمك ما تتقضّب سالفه)...، وحينها أحمد الله أنّها لم تقل لي صراحة: (الهِبِل ما ينسى سالفته)...، تصوّروا أنّ ما يقول لي ذلك هي نفسي التي بين جنبي، ولكم تمنيّت لو أنّ هذا الكلام أتى من غيرها، ويا ليتها كانت الحكومة لأؤكّد لها بأنّني لست وحيداً بل جميع شرفاء الأردنّ لن ينسوا (سالفتهم) وبخاصة هذه (السّالفة) – الفساد - .
والسّؤال الذي أشغلني ويُشغلني وتُرعِلُ منه شتلاتٍ من الأسئلة في كل دقيقة وساعة ويوم: هل لدينا في الأردنّ رجال أعمال فعليّاً وبما تحمله الكلمة من معنى؟ أي هل رجال الأعمال أصحاب شركات العقارات أو غيرها من الشّركات الأخرى؛ هم بالفعل يملكون شخصيّات تجاريّة ناجحة وعصاميّة ( مجتهدون ونشيطون، مبدعون وخلّاقون، أذكياء وشاطرون...) لدرجة أنّهم حقّقوا نجاحاتٍ باهرةٍ واستطاعوا أن يضاعفوا نشاطاتهم ويوسّعوا أعمالهم، وبالتّالي...انتفخت وتورّمت ثرواتهم؟!
من عندي ومن عند أجاويد الله؛ هؤلاء المشهورون برجال الأعمال في بلدنا الأردن؛ هم ذكور (رجال أم غير رجال...علمهم عند الله) ولا أعمال ولا بطّيخ، بل هم مجرّد شركاء مع شخصيّات الحكم والقرار في الدّولة، وواجهات (قرميديّة) لعلاقة التّجارة بالسّياسة، فتُفصَّلُ القوانين لهم ومن أجلهم، فترسوا عليهم العطاءات ويقومون بالمناقصات بعد التّغاضي عن مخالفاتهم ومصدر هذا التّغاضي هو الحماية والحصانة من شركائهم رجال الدّولة، وبالتّالي...؛ هم مدينون بنجاحهم وأموالهم إدانة طويلة الأجل للقرارات التي تصدر لصالحهم وللقروض التي تُمنح لهم، وللاحتكارات التي تسمح فيها الدّولة لهم، وللمصاهرة بينهم وبين عائلات السّياسيّين... .
وأزيدكم من الشّعرِ بيتاً؛ هؤلاء ليسوا إلّا ممارسين (للسمسرة والكمّسيون) لدى السّلطة، فيقومون بالمتاجرة لغيرهم، فهم عبارة عن جسم بلا روح يقوم بدورٍ مختصر محدّد ألا وهو التّغطية والواجهة الخادعة والقناع الزّائف...، فلا يملكون ذكاءً ولا عبقريّة، وإن وُجِدت؛ فهي في الخطأ أو في الشّر، ولو أنّهم على حالهم هذا في ظلّ قانونٍ يُحْتَرَم، ويلتزم العدل والمساواة، ولا يخلط بين المال والسّياسة، ولا يسمح لمسئولي الدّولة ورجالاتها بالتّربّح من خلالهم؛ لظهروا على حقيقتهم المرّة الفاضحة، فأغلبهم لن يستحقّ سوى أن يكون (صَبِيْ) عند ميكانيكي سيّارات (أفانتي) مثلاً ومسئوليّته فقط إحضار مفتاح شّق (خمصتعش على صطّعش)، أو عند صائن ثلّاجات وواجبه تزويد الغاز ووضعه فيها، أو مزارعاً (على الحالات الإنسانيّة) ينكش ولا يزرع في إحدى حدائق الدّوائر والمؤسسات الحكوميّة (وما أحمدُ عزٍّ في مصرَ عنّا ببعيد)!
هل تعلم لماذا ارتقى هؤلاء مُرتقاً صعباً وأصبحوا رجال أعمال وأصحاب ملايين ومليارات؟ لأنّهم: يعيشون في الأردن فلا يُطلب منهم كفاءة أو مؤهلات كون أصدقائهم وشركائهم هم بعض السياسيّين في الدّولة، ، فكفاءتهم ومؤهّلاتهم هي مدى قربهم وإخلاصهم ومستوى عائد أرباحهم، والتي على غرارها يتمّ منحهم الأراضي والعقود والاستثمارات والإعفاءات من الضرائب والحماية الكاملة من أي رقابة قانونيّة... .
هؤلاء لن ينجحوا إلّا في بلادنا حيث القرار السّياسي على الأغلب هو عبارة عن شركة مساهمة بين بعض الوزراء والمسئولين وأبناء هؤلاء وأصهار أؤلئك...، وإلّا فأين سيجدون الحماية في البلاد الرّأسماليّة الغربيّة؟ فلا أجهزة دولة تقوم بخدمتهم حين يرتشون أو يَرْشُون،وليس هناك أيّ جهة تجرؤ على إصدار ولو قانون واحد لصالحهم أو لمصالحهم دون أن تحاسبهم وتكبحهم أيدي الرّقابة والمحاسبة، ولن يتمكّنوا أبداً من مشاركة هذا الوزير أو ابن ذاك المسئول لأنّهم يعلمون ويدركون أنّه لن يُنْجِهِم من المحاكمة سوى الخرف أو الموت... .
في يوم...؛ شكوت لوالدي رحمه الله أخي الأصغر سناً منّي، فقلت له: (يا بوي أخوي يدخّن...)، فنظر بعد أن صمت برهة؛ وأشار إليَّ بإصبعه السّبابة مستغرباً متسائلاً فقال: (ومن علّم الصّبيان يا صالح غير هليّل)، ومنذ ذلك الجواب؛ لم أرفع عيني بأخي إذ كنت المدخّن الأكبر، وأنا من علّمه وعلّم اغلب أولاد الحارة (ولا فخر) التّدخين...، إذن...؛ علينا جميعاً أن نغضّ الطّرف عن مُحاسبة خالد شاهين وغيره من المتّهمين بالفساد، ولنحاسب (هليّل، وهليّل، وهليّل...) والذين فهمت من قول أبي أنّهم الفساد الذي يختفي وراء كلّ فاسدٍ أو (شِلّه)!!!
ومن شرفاء الأردنّ إلى كلِّ (هليّلٍ) مُفسدٍ مَغرُور:
صابك غرور والغُرور لمّا يصيب مشكله...
الأوّله: علّيتِ نفسك فوق وفوق...
والثّانيه: سلبتني كل الحقوق...
والثّالثه: إنت بورود وآنا محروق...
وآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآنا محرووووق....
تآمر وتنهي بكلّ شيْ...
والرّاي بالحسره عَلَيْ...
جاهل ولا انته مِسْتِطِبْ... جاهل ولا أنته مِسْتِطِبْ...
الأوّله....والثانيه...والثالثه.....
وآآآآآآآآآآنا محرووووق... . (من كلمات أغنية عبد الله الرّويشد: صابك غرور).