ماهر أبو طير - من الملفات التي تدركها الحكومات المتعاقبة في الأردن، سوء الإدارة، داخل المؤسسات، فهذه المؤسسات تفيض بالموظفين، من جهة، وتقدم خدمات بطيئة ومعقدة.
عدد الموظفين الكبير جدا، في الأردن، دفع حكومات عديدة الى تبني شعار الإصلاح الإداري، وهو يعني تخفيف أعداد الموظفين، وترشيق المؤسسات، وهو شعار فشل تطبيقه، لانه لا يمكن لك ان تتخلى عمن عينتهم، وفي الوقت ذاته، لا تعرف كيف تشغلهم أو تستفيد منهم.
إذهب إلى اي وزارة، أو دائرة، أو بلدية، وسترى بنفسك الموظفين، كيف يعملون، وجوه مرهقة، ومتعبة من هموم الحياة، والديون، وقلة الأجور، وكأن وجه كل واحد يريد أن يقول لك، إنه غاضب منك شخصيا، ويساعدك، وهو متضايق جدا، هذا إذا ساعدك.
تتأمل التعقيدات في كل معاملة، وورقة، وتتذكر الكلام الجميل عن الحكومة الإلكترونية، الذي لا نرى منه شيئا، على أرض الواقع، فكل شيء، روتيني، وضياع الوقت سمة أساسية.
من المفارقة هنا، ان كل خبراء الجودة في العالم العربي، أي جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وغيرهم، وخبراء الحكومات الإلكترونية، وتطوير البرامج، أغلبهم من الأردنيين، ينجحون خارج البلد، وتتم محاربتهم هنا، او لايتم منحهم حقوقهم، فيهاجرون وينجحون.
هذا الفشل محرج، لان البلد الذي لديه كل هذه الكفاءات يعاني من مشاكل كبيرة، اولها تكدس الموظفين فوق بعضهم، وعدم وجود أموال لدفع تعويضات لهم، من أجل اقناعهم على الخروج، إضافة إلى عدم قدرة غالبية المؤسسات على تطوير خدماتها، تواقيع ومعاملات وأوراق ومراجعات وتعقيدات، وبطء شديد، في كل شيء، يجعلك تبحث عن واسطة، وهذه الواسطة قد يكون لها متطلبات غير قانونية، ولا أخلاقية في بعض الحالات المعروفة.
عدا دائرة الجوازات والأحوال المدنية، وترخيص السيارات، وطمعنا بتطوير أكثر على خدماتهما، فأننا نعيش في زمن ما قبل التكنولوجيا، ولا تدري لماذا لا تطلب الحكومة من كل مؤسسة، تطوير خدماتها، واختصار الوقت، وسد الأبواب أيضا في وجه الطامعين، الذين قد يستغلون صلاحية هنا أو هناك، من أجل منفعة، ولو صغرت، وهذا حال بات شائعا علنا.
الشقاء في الأردن، أن تذهب إلى مراجعة في أي مؤسسة خدمات، أو مؤسسة حكومية، إذ يومها سوف تدفع كلفة كل ذنوبك، لان كل شيء متعثر وبطيء، ومع هذا فإن لا أحد في هذه الإدارات يحاول الاختصار على الناس، وتطوير خدمات مؤسسته، كما يجب، ويضاف إلى ما سبق، شعور الموظفين بعدم الجدوى من هذه الحياة، جراء ظروفهم الشخصية الصعبة.
إحدى الحكومات في الأردن، واتحفظ على اسم رئيسها، وصلت إلى نتيجة بعد دراسات مستفيضة، انه يجب الاستغناء عن مائة ألف موظف، من أجل أن تتحسن الحكومة على صعيد العلاقة مع الناس، والخدمات، خصوصا، ان هذا الرقم يستنزف الخزينة من حيث الرواتب، وغير ذلك، إلا أن استحالة تنفيذ عملية التخلي عنها، كانت لسببين، أولهما عدم وجود أموال لتسوية أوضاع هؤلاء وإخراجهم ضمن تسويات مالية مقنعة، وبقبولهم أولا، وثانيا المخاوف من حدوث ردود فعل شعبية غاضبة، قد تمس الأمن الداخلي.
الحكومات في الأردن، تقول لك دائما أن لا مال لديها لتحسن أوضاع الأردنيين، لكن مهمة تلطيف الحياة على الناس، ممكنة وسهلة، وهي مهمة لا تؤديها أي حكومة، وهذا ممكن عبر الإصلاح الإداري، بمعناه الخدماتي، إذا لم يكن ممكنا عبر ترشيق اعداد العاملين، سواء عبر تحديث الخدمات الإلكترونية، أو تبسيط الإجراءات داخل المؤسسات ذاته، وهي إجراءات يعود بعضها إلى العصر الحجري، بسبب التعقيد، وتضييع الوقت، وكثرة التواقيت.
إذا أرادت هذه الحكومة، أن تعمل معروفا بحق هذا الشعب، فلترفع شعار تلطيف الحياة علينا، عبر طلب الحكومة من كل المؤسسات التي يتعامل معها الناس، إعادة النظر في طريقة تعاملها، وتخفيف تعقيداتها، ورفع مستوى الجودة بشأن خدماتها.
دون ذلك، سيبقى اليوم الأكثر صعوبة في حياة الأردني، هو اليوم الذي يضطر فيه أن يذهب لدائرة حكومية، وسيأخذ معه من باب الاحتياط، شهادة جده الرابع عشر في الاعدادية، وصورة جدته عند عقد قرانها، وربما بيضة سلحفاة، وريشة ديك أحمر، وهي أشياء قد يطلبها الموظف، فجأة ، دليلا على عبقريته الفذة، ودليلا على رغبته بتوزيع عذابه على كل الشعب.