سلامة الدرعاوي - لا يمكن لنا أن نصف قرار التسعيرة الحكومية الأخيرة للمحروقات بالخاطئ، نتيجة عدم الالتزام بتطبيق التعرفة الحقيقية على المشتقات التي خالفت كل التوقعات وجاءت أقل مما هي عليه الأسعار العالمية.
فالحكومة مطالبة هي الأخرى بالتضحية في بعض الفترات وتحمّل المسؤولية الماليّة لبعض القرارات كما هو حال المواطن الذي دائما ما يتحمل كلف الارتفاعات العالمية في الأسعار وكلف فشل السياسات الرسميّة والإجراءات في إدارة الاقتصاد الوطني.
لو طبقت الحكومة معايير التسعيرة المعمول بها للمشتقات النفطية لكانت الارتفاعات في أسعار المحروقات أكثر مما تم إعلانه، فنفط برنت ارتفع الشهر الماضي بنسبة 12 بالمائة، وأسعار المشتقات النفطية زادت بالقيمة خلال شهر تشرين الأول الماضي مقارنة مع شهر أيلول بالنسبة للبنزين أوكتان 95، 90، والسولار والكاز بقيمة (75 فلسا، 60 فلسا، 56 فلسا و63 فلسا) على التوالي، لكن الحكومة اكتفت بـ10 فلسات للبنزين بنوعيه، وتثبيت أسعار السولار والكاز وأسطوانة الغاز التي ارتفعت أسعارها عالميا بنسبة 20 % خلال الشهر الماضي.
بمعنى آخر، الحكومة خسرت إيرادات مالية قد تتراوح بين 10-15 مليون دينار جراء التسعيرة الأخيرة، وهذا المبلغ باعتقادي تستطيع الحكومة ان تتحمله، ولكنها لا تستطيع أبداً الاستمرار بذات الطريقة، فهذه قد تكون مقبولة لمرة واحدة نتيجة الظروف المعيشية التي يمر بها المواطنون والذين تراجعت دخولهم في الآونة الأخيرة نتيجة تداعيات كورونا وارتفاع أسعار معظم السلع عالميا، فالأمر لا يقتصر على المحروقات، فكل السلع الأساسية خاصة الغذائية منها ارتفعت أسعارها بشكل جنوني خلال الأشهر الماضية، ولا يوجد في الأفق ما يوحي إلى تراجع منحنيات أسعارها، والأمر كذلك ينطبق على أسعار النفط العالمية التي بدأت بالصعود التدريجي منذ أسابيع.
نعم ليس بمقدور الحكومة التراجع عن تسعيرة المشتقات النفطية، فهي لا تمتلك موارد مالية تمكنها من الاستغناء التدريجي عن بعض عوائدها الضريبية على المحروقات والتي تبلغ ما يقارب المليار دينار سنويا وتشكّل وحدها حوالي 25 % من إيرادات ضريبة المبيعات، فالخزينة بالأساس بعد تحصيلها لكل الضرائب المقدرة في الموازنة، وبعد قدوم كل المساعدات الخارجية لها يبقى العجز المالي الفعلي اكثر من 1.25 مليار دينار، وبالتالي لا يمكن ان تكرر الحكومة تعاملها بالتسعيرة في المرات المقبلة كما فعلت مؤخرا، وذلك لأنها ستعود بنا الى وضع مالي مزرٍ مشابه لما حدث بعد العام 2011 عندما تم تأجيل تطبيق تسعيرة المشتقات بأكثر من مرة، مما حمل الخزينة أعباء ماليا ناهزت الـ400 مليون دينار حينها، وباتت أوضاع المالية العامة في أسوأ مراحلها، وتوقفت المساعدات الخارجية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية حتى صندوق النقد الدولي رفض حينها التعامل مع الحكومة إلا إذا اتخذت تدابير مالية كانت في وقتها قاسية على المواطنين.
لكن يبقى السؤال المطروح، كيف للحكومة ان تواجه مسألة زيادة أسعار المحروقات إذا ما استمرت بالارتفاع؟ وكيف لها ان تحمي المواطن من تداعيات تلك الارتفاعات؟
تكاد تكون قدرة الحكومة على مواجهة تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات وغيرها من السلع محدودة للغاية ان لم تكن معدومة في بعض الحالات، والسيناريوهات الخاصة بالحلول امام صانع القرار الاقتصادي تنحصر على الشكل التالي:
أولا: تسعير المشتقات والعودة لسياسات الدعم المالي، وهذا أمر مستحيل التطبيق خاصة في ظل ضعف إيرادات الدولة ووجود عجز مالي كبير، إضافة لاتفاق الأردن مع صندوق النقد الدولي الذي يرفض كل أشكال الدعم للسلع.
ثانيا، تخفيض الضرائب على المشتقات النفطية التي تتقاضاها الخزينة، وهذا امر قد يكون من الناحية النظرية ممكنا، لكنه عمليا غير واقعي لأن الخزينة تعتمد كثيرا على عوائد المحروقات في تمويل نفقاتها، ولا توجد بدائل مالية متاحة أمامها لتعويض أي تراجع في تلك الإيرادات الضريبيّة.
أخيرا، كما قلنا سابقا، تقديم مبلغ مقطوع لمرة واحدة لكل العاملين المستحقين للدعم لتعويضهم عن تلك الزيادات الحاصلة في الأسعار، وهي قد تكون اقل كلفة مالية واكثر توافقية في التطبيق.