تآكلت الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالحكومة، وليس في الأفق سوى المزيد من التحديات والقرارات غير الشعبية.
أجواء من التفاؤل يغذيها الفضول والترقب تحيط بكل تشكيل جديد، وقد تدعمت الأجواء الإيجابية للحكومة الجديدة فورا بسلسلة إجراءات أظهرت الرئيس كرجل ديناميكي وصاحب قرار.
وفي بادرة قويّة تجاه الإعلام أعلن الرئيس إلغاء ضريبة الثقافة على إعلانات الصحف، كما أقرت الحكومة مدونة السلوك التي ترتب عليها إنهاء ممارسات شراء الذمم والرشوة الضمنية أو الصريحة والتنفيعات بإلغاء الاشتراكات غير المبررة، وكذلك إنهاء ازدواجية الولاء وتضارب المصالح بإلغاء الجمع بين الوظيفة العامّة والعمل الصحافي، مثل وجود مستشارين وناطقين إعلاميين في الوزارات، هم في نفس الوقت صحافيون عاملون في مؤسساتهم الصحافية.
كما تقرر، لأول مرّة، أن يكون هناك مؤتمر صحافي شهري لكل وزير، حتّى يتمكن الإعلام من المتابعة والمساءلة لكل القضايا، التي تخص القطاع المعني والتزام الناطقين الإعلاميين ببيان صحافي لوسائل الإعلام مرتين في الاسبوع.
انفتاح استثنائي على الإعلام. وقوبلت كل هذه الإجراءات بالترحيب من نقابة الصحفيين والوسط الإعلامي، وعززت رصيد الحكومة لدى الرأي العام.
دوام الحال من المحال، وقد استنفدت الحكومة قوّة الدفع الإيجابية بنفس السرعة، التي صعدت بها، وشكا الرئيس الأسبوع الماضي ان الصحافة لم تتنظر حتّى مهلة المائة يوم المعروفة لكل حكومة جديدة.
التغييرات التي باشر بها الرئيس فور تسلمه مهامه وأعطت انطباعات إيجابية قويّة لم تلبث مع تواليها ان أعطت انطباعا بأن هناك عملية إزاحة وإحلال، حيث يجلب الرئيس معه صفا جديدا خاصّا به، وعدم وجود تفسير واضح خاص بكل حالة اطلق الشكوك بشأن موضوعية الإزاحات والتعيينات مع أن الرئيس فسّرها بأنها عملية إحلال دماء جديدة في مفاصل الإدارة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، بدأ الرئيس بتخصيص 300 مليون دينار مقترضة لتسديد نفقات ضرورية، ومنها التزامات ملحة لمواطنين ومقاولين. وانتقدت الحكومة ضمنا محتوى الموازنة المصمم من زمن الحكومة السابقة، لكنها إذ أعادت تفقد الموازنة تجد نفسها أمام استحقاقات أصعب.
وضريبة الدخل التي أنزلت الضريبة على بعض الأصعدة استعادتها على أصعدة أخرى مغضبة أوساطا جديدة بإلغاء الإعفاءات على الاستثمار، ما يثير الآن بلبلة وردود فعل احتجاجية، حتّى الإعلام دخلت عليه ضريبة جديدة من شباك الخدمات بعد خروج الضريبة السابقة من باب الثقافة.
والقادم أصعب اقتصاديا، بإلغاء الدعم وتوسيع قاعدة الضرائب التي بدأت بالسجائر والكحول، وستصل الى الوقود، بما في ذلك اسطوانة الغاز التي سترفع الى "السعر الحقيقي" الذي يقارب من عشرة دنانير.
من الواضح أن شهر عسل الحكومة قد أصبح وراء ظهرنا، وليس لدى الحكومة الكثير مما تستطيع ان ترضي به الرأي العام حتى إشغال الجمهور بمستجدّات كبرى مثل انتخابات اللامركزية وضعت على الرفّ، فما بالك إذا كان البقاء على القديم البالي سيمتد إلى الانتخابات النيابية حيث تكون الحكومة، قد افرغت جيوبها مقدما من أي وعد بالتغيير.