بقلم المحامي/ حمزة الفقهاء - لم تكنْ تتعجّل الرحيل لكن الله تعجَّلك ، هو يعلم أنّ رئتك الصغيرة أكبر من حجار الكعبة ، و أن هذه الأرض الثقيلة ضاقت بصوتك الخفيف ؛ لذا اصطفاك ضيفاً عزيزاً جواره قربَ سُدرة المُنتهى ، هو الله يعلم أنّ طابور الأطفال الباسم في وجهك ، وعيونك الواسعة في البلاد الضيّقة ، وما تبقّى من فُتات أحلامك ، وعلبة ألوانك ، وحقيبتك المدرسيّة ، وبقايا حديثك الأخير الذي لم يكتمل ، كلّ ذلك لا يليق بقسوة هذه الأرض ومن أفسدوا فيها ، ولا تليق طفولتك البيضاء بنصل "أقلام الريشة" التي خطّت شهادة وفاتك منذ صرخة الحياة الأولى ، حالك حال الكثيرين من أطفال هذه البلاد .
سُمُوّ الأمير (أمير) ، صدّقني يا بُنيّ إنّك كنت تتنفّس أكثر منّا جميعاً ، و إنّ رئتك الصغيرة أكبر من أسماىنا وألقابنا وجباهنا ، فنحن مُكممو الأفواه والأرواح ، جميعنا سلبنا الهواء منك ، وحجبنا نور غرفتك عنك ، وتركنا واجبك المدرسي الأخير (بلا أجوبة) ، نحن موتى دون شواهد ، وكومة من المُكممين المصابين بصرع ( الأمن والأمان) . "ستخبر الله بكل شيء " ، هكذا وعدت يا أمير ، فكما يعرف الورد قاطفه وخاطفه أنت تعرفهم جيداً يا أمير ، بوجوههم ، وأسمائهم ، وألقابهم ، أستحلفك بالله نيابةً عنّي و عن جموع الأحياء الموتى ، أن تخاصمهم عند الملك الجبّار و تقاضيهم ، لا تصافح ولا تصالح لأجل دمعة أمّك وأبيك ، لأجل الأطفال الذين سبقوك ، ولأجل الأطفال الذي سيلحقوك ، نلاقيك هناك في محاكمة علنيّة قاضيها ديّان السموات والأرض .
(الحق في الحياة ) هو حق لصيق بالإنسان ويولد معه ، وهو عقيدة أخلاقيّة أقدس من أن توثّقها الدساتير والمواثيق الدوليّة ، (أمير) لم يكن يسعى للتحصّل على منحة دراسيّة في الخارج لدراسة العلوم السياسيّة ليعود بعدها وزيراً أو سفيراً في مُلّاك الخارجية كحال أبناء المسؤولين و المتنفّذين ، (أمير) لم يخرج ب (Live) على الفيسبوك ليتسلّم منصباً في إحدى الهيّئات المستقلة أو في دواوين حيتان الرابع والعبدلي ، بل خرج يستغيث للحصول على (Life) ، (أمير) لم يكن يسعى للسفر إلى الخارج للتسوّق من براندات أوروبا فالحيّ الصغير وصغار الحيّ أجمل.
(أمير) هو طفل طرقت يده الناعمة كلّ أبواب المسؤولين الخشِنَة ، بحثاً عن (تأشيرة سفر) لزراعة رئة في الخارج ، كي لا يواجه مصير إخوته الذين وافتهم المنيّة بنفس المرض ، (أمير) لم يحصل على هذه التأشيرة ، ولم تقم الدولة بواجبها الإنساني والأخلاقي و القانوني تجاهه والمتمثّل بإرساله إلى إحدى الدول لزراعة رئة له ، عذراً يا أمير ؛ فمطارات الوطن مزدحمة بزبائن المطار المعتادين ، ومقاعد الطائرات مثقلة بأبناء اللصوص الكبار المسافرين لإجراء عمليات تجميل ، أو لإعادة تصنيعهم ليصبحوا مسؤولين عنّا وعلينا ، أو لشراء عقارات في المنافي ، لأنهم يعلموا أن الوطن سيلفظهم يوماً ما.
عندما يكون طرق الكعوب في "تعاليل إكسبو" أعلى من شهيق إستغاثة (أمير) ، وعندما تكون دعوة الماجنات أقدس من براءة الطفولة في وجه (أمير) ، وعندما تكون (لافتة العلم) أطول من الأنفاس القصيرة ل (أمير) ، فاعلم "أنّك تعيش في دولة لا وطن" . ما حدث مع (أمير) هو جريمة قتل (بالترك) ويجب أن ترفع عيدان المشانق للجناة فيها ، على النيابة العامة تحريك دعوى الحق العام في مواجهة كلّ المسؤولين عن هذه الجريمة ، مع التأكيد على أنّ (الحق في الحياة) هو حق طبيعي لصيق بالإنسان وأن حماية الطفولة هو حق دستوري بمقتضى المادة (٥/٦) من الدستور الأردني.
إلى جوار ربك وعلى أكتاف ملائكته يا أمير ..
وألهم ذويك الصبر والسلوان