اطلقت الحكومة ما يمكن وصفه بأكبر برنامج وطني للإصلاح الاداري في تاريخ الدولة الاردنية ، وأحسن دولة الرئيس بقرارة تفويض معالي الاستاذ مازن الساكت وزير الدولة لتطوير القطاع العام للاشراف على وحدة متابعة الاداء الحكومي في رئاسة الوزراء والمعنية بمتابعة التزام الحكومة بالاجندة الوطنية ومؤشراتها ، واصدار تقارير دورية حول سير تقدم العمل في المشروعات التي تنفذها الحكومة وفق برامج عملها، هذا بعد أن اعلنت الحكومة مؤخرا عن إعادة هيكلة الرواتب والعلاوات لموظفي الدولة والخاضعين لنظام الخدمة المدنية، وإعادة هيكلة الرواتب التقاعدية للموظفين الخاضعين للتقاعد المدني ممن هم على رأس عملهم، وتطبيق هيكلة الرواتب والعلاوات على موظفي المؤسسات المستقلة .
شكلت المؤسسات المستقلة في نظر الكثيرين تشوهات وأختلالات بالرواتب والامتيازات ما بينها وبين المؤسسات الحكومية الاخرى، كونها تتمتع بأنظمة وقوانين خاصة ولا تخضع لنظام الخدمة المدنية، حتى أن بعض المؤسسات الحكومية قسّم الموظفين ما بين موظف بعقد متميز وزميل له في نفس المكتب ليس أقل منة أداءاً وكفائة يعمل تحت مظلة نظام الخدمة المدنية، مما افقدهم العدالة وساد الظلم بين العاملين وأبعد روح التنافسية والاجتهاد والابتكار في الاداء, وتم ذلك من خلال أستغلال المنح والمساعدات التي تم تسخير جزء كبير منها نحو مشاريع وهمية تسطوا اداراتهم على تلك المنح، ووظفوا على حسابها اشخاص من داخل مؤسسات الدولة برواتب وامتيازات خاصة لذوي المحسوبيات الخاصة .
في المقابل كانت مشاكل الجهاز الحكومي في تزايد مع تضخم اعداد العاملين من دون اية مزايا وهذا ما أستدعى تدخلاً لإصلاح الاختلالات القائمة وازالة التشوهات, وفي الوقت نفسه اعادة الاعتبار لدور السلطة التشريعية في الرقابه على مؤسسات الدولة، وللسلطة التنفيذية الأخذ بزمام المبادرة في الاشراف على جميع المؤسسات لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الرواتب وتحقيق الاستقرار الوظيفي من خلال اخضاع الرواتب الى مرجعية واحدة ومعالجة التباين وتحقيق العدالة في الامتيازات بين جميع الموظفين، وبالتالي ستخضع جميع المؤسسات الى أنظمة الرقابة المختلفة، وستذوب الفروقات بين رواتب الموظفين في مختلف الهيئات والوزارات لصالح نظام يعتمد معايير وأسس واضحة تطبق على الجميع .
لكن نجاح البرنامج في تحقيق اهدافه يتطلب شرحا مكثفا من مختلف وسائل الاعلام وانصاف المحتجين من موظفي المؤسسات المستقلة وعددهم لا يتجاوز الخمسة الاف موظف، واعتقد ان ردة الفعل الغاضبة كانت في محلها كون لم توضح الحكومة آلية تطبيق البرنامج ولم تعطي الناس فرصة الاطلاع على التفاصيل، ليتضح لهم ان اقل من نصف العاملين في الهيئات والمؤسسات المستقلة سيتضررون في الهيكلة وهم اصحاب الرواتب المرتفعة، وهذا يجب أن لا يحصل وغير مبرر فهذه حقوق مكتسبة لا يجب المساس بها، وسيضرر ما تبقى من الطبقة الوسطى، ويخلق مشاكل اقتصادية وأجتماعية تهدد الأمن والاستقرار الأسري، ويؤدي الى هجرة بعض الكفاءات نتيجة ضعف الرواتب وتوفر فرص لهم بالخارج، لذلك يجب دراسة وضع هذه العينة بشكل عادل وبما يخدم مؤسساتنا، اما النصف الأخر فلن يخسر على المدى القريب أي شئ، فيما عشرات الالاف من الموظفين في القطاع العام سيشعرون بالعدالة للمرة الاولى .
فمن يتحمل مسؤولية عدم توضيح كثير من الأمور للشارع الأردني حيال الكثير من القضايا المصيرية التي تواجهه ؟ خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بقوت يومه بعد تضليل وتسيب وهدر للمال العام دام عدة سنوات .
وأقول لمن يحاول إحباط هذا البرنامج انه برنامجهم هم قبل غيرهم، لقد انتظرنا طويلا، علنا نرى عملا حقيقيا ملموسا يضع الأمور في نصابها، وأسجل ذلك لهذه الحكومة وقد فعلت .
المهندس سليمان عبيدات
Email : sof.60@hotmail.com