جبل قاسيون* الشامخ فوقَ حدود الغيم يشيح بوجهه عن أجساد الشهداء الطيبين، يخجل أن يرقب لون الشفق المُراق على أرصفة حزيران ، وتأبى إلا أن تداعب طاهر دمائهم رائحة زهور الياسمين، أعيدوا لي قلبي فقد تركته في سوريا هناك، قبل ثلاثة وعشرين عاما حين غادرت موانئ درعا، بقارب مثقوب، وحقيبة سفر مملوءة بأحلام العودة هناك، ثلاث وعشرون عاما وأنا أبحث بين الوجوه عن العم أبو احمد * في واجهات محلات البقالة، أعيدوا قلبي إلي فقد تركته وديعة بين ثنايا نهر بردى، كي يغتسل ويطفئ نار العشق بذاك الماء، ثلاث وعشرون عاما وأنا ابحث وأصرخ...يا حبا بحجم وطن، ولا مجيب، لدى أمة العرب يحدث أن يُغتال الحب، ويحدث أن يَسرق الفساد وطنك منك، ويحدث أن يُكمِمَ الموت والخوف أفواهنا، وقصّة الذئب الذي لم يكفُّ عن مطاردة ليلى، ولا ليلى هناك، كل ما في الأمر أن ذئبا في الغابة (سموه أسدا) يقود قطيعا من الذئاب ما عاد يشبع إلا من لحم البشر، ما عاد يرضى بدماء الحملان، بعد أن عرف طعم دم الشهداء الطاهرين، أدمن رائحة الياسمين، يبحث كل يوم عن ألف شهيد، وأمة العرب والعباءات والنفط تعرف الله في اليوم خمس مرات ولا تأبه بمن عبدوه، أعيدوا قلبي إلي، فقد حلّق مع صقرٍ هناك فوق قلعة صهيون*، ورمى إلى البحرِ سلام...
حرائر دمشق مأسورات تماما كمآذن القدس وقبة الصخرة ...
وأنا أنحني أقبّل أقدامهن اعتذارا...فالغاصب اليوم ليس من إسرائيل، ولا نملك أسلحة ولا أحجارا ولا حتى أن نلعنه....فالوجع حين يتفجر منك إليك مؤلم، والحُرُّ حين يُضام يُثير فيك أحزان كربلاء...قَتلوا أحفادَ الرسول (ص) من أجلِ مقاعِدهم، فمن يُقاتل مَن، ومن يَذود عمن حِمى مَن؟!!
يا أبطال الياسمين الدمشقي رُدوا قلبي إلي...
من يذود عن الحمى إلا انتم...؟ ومن يكسر القيد إلا انتم...؟
حرروا سوريا وأعيدوا قلبي إلي، فقد تركته وديعة هناك.
قصـــــــي النســــــــور – الأردن
quasainsour@yahoo.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جبل قاسيون هو جبل مرتفع يطل على دمشق
*ابو احمد صاحب محل بقالة يعرفه معظم الطلاب الأردنيين الذين درسوا في دمشق في الثمانينيات
*قلعة صهيون تقع في مدينة اللاذقية ولها ينتسب الشاعر السوري حسن صهيوني الملقب بالأمير الدمشقي