لا إصلاح سياسي دون إصلاح اجتماعي
بعد غزارة الحراكات وتلاطم أمواج بحر الأفكار وفي وقفة تأمل مع الذات ربما نصل الى سؤال هام مفاده: خرجنا للمطالبة بإصلاح النظام السياسي، فمن سيصلح النظام الاجتماعي؟وهل يمكن فصل النظامين السياسي والاجتماعي كلّ على حدى؟
لا أظن أنّ هناك إمكانية للإصلاح السياسي بعيدا عن الإصلاح الاجتماعي
فنظامنا الاجتماعي يتناقض مع مطلبنا بتاسيس الدولة المدنية القانونية لأنّ ثمّة نظاما عشائريّا قائم بذاته سيصطدم مع الدولة المدنية واستغرب كيف تنظر النخبة للإصلاح السياسي بعيدا عن ظرورة إصلاح واقعنا الاجتماعي؟!!
الدولة المدنية أو دولة القانون تعني عدم وجود قانون آخر يفرض سطوته على المجتمع، وبوجود مجموعة القوانين العشائرية سيكون هناك دولة اللاقانون أو دولة القوانين المتعددة المستقلة والمتناقضة في أحيان كثيرة.
لا أرى على خارطة العالم دولة استطاعت أن تعيش بهذين النظامين، فهل الأردن حالة مختلفة كما نقول دائما للهروب من استحقاقاتنا؟
أقول إنّ كلّ محاولات الإصلاح السياسي المطروحة لن تؤدي الى دولة سيادة القانون اذا لم تسبق بإصلاح الهيكل الاجتماعي أوّلا. فلا أظن أن تعديل مواد الدستور أو حتى صياغة دستور جديد يمكن أن ينهض بالبلاد نحو الرّقي إلا اذا سبقه ثورة إصلاحية اجتماعية يشارك فيها الجميع،وهنا ستظهر حقيقة المطالبين بالاصلاح وجديتهم.
إنّ المدافعين عن النظام العشائري يرون وجوده نوعا من الحماية، فعندما يتأكد المواطن أنّ القانون هو الذي يسود على الجميع دون استثناء لا أظنّه بحاجة الى البحث عن نظام آخر يحميه.
أمّا في ظل وجود اللادولة واللاقانون فإنّ المجتمع سيبقى في حالة خلق وإبداع لانظمة وتجمعات توفّر من منطلقهم الحماية المنقوصة أو المفقودة والتي تؤدي كما نرى كلّ يوم الى صراعات تفرّغ عن نفسها بحالة من العنف المجتمعي يعيدنا الى عصور ما قبل التاريخ،والمعيب أنّ ذلك يتم برعاية رسميّة من الدولة،وكيف لا والدولة نفسها هي أحد هذه الأطراف والتجمعات؟ لذلك نرى الدولة تعدّ نفسها عشيرة في مقابل العشائر، وخير دليل على ذلك قيامها بأخذ (عطوة مثلا) من عشيرة ما .
إنّ عملية الإصلاح تتطلب منّا الجرأة للمطالبة بإصلاح نظامنا الاجتماعي أولا إذا ما أردنا أن نؤسس لقيام الدولة المدنية التي تقوم على احترام القانون وتطبيقة على الجميع من خلال قضاء مستقل نزيه يحقق العدالة للجميع.
رائـد العـزام