زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - تبدو فرصة مواتية لإعادة قراءة وتقييم الموقف في عمق معادلة البرلمان الأردني.
جلسة تهريب النصاب التي برزت كرسالة من أغلبية مجلس النواب صباح الأربعاء، تحتاج إلى تقييم أكثر عمقاً من كلاسيكيات الحديث عن خيارات الدولة والحكومة التي يمكن تمريرها ببساطة وسط أغلبية لا تعترض ولا تعيق، لأن الإشكال هنا يتعلق بالخط الأحمر للشعب الأردني بكل مكوناته وميوله السياسية وليس فقط الخط الأحمر الرسمي.
يظهر الإسلاميون قبل غيرهم تلك الجزئية، ويقررون العودة للمبادرة وقيادة الشارع في مواجهة ملف التطبيع، وقد اعتبر مبكراً الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وعبر “القدس العربي” عدة مرات، بأن العودة للقضايا الأساسية المغلقة في وجدان الناس دائمة وحتمية، وإن كانت تصبح حتمية أكثر بعد انغلاق الأفق السياسي أو العودة إلى لعبة المصدات لوقف أي نمو حقيقي وطبيعي في مجال الإصلاح السياسي.
في جزئية الإصلاح السياسي، فإن الجدية وبعمق -في رأي وزير البلاط السابق الدكتور مروان المعشر- ليست مطلوبة فقط، لكنها احتياج ملح للدولة اليوم مجدداً، بعيداً عن مقاربات المعشر والعضايلة وغيرهما من الملاحظين في جزئية إسرائيل والتطبيع، وقد تنضم إليها قريباً جزئية الإمارات والسلام الإبراهيمي بوصلة الشارع الأردني، مغلقة وغير قابلة للتأويل أو للقسمة على اثنين.
وفعالية ظاهرة “آلو” التي صلحت في الماضي لتمرير كثير بين النواب قد تتعطل وتتعرقل، خصوصاً أن البنية العشائرية الأردنية ومنذ ارتفعت قليلاً نغمة السلام الإبراهيمي تتصدر المسألة الوطنية بدلالة الحملة الكبرى على الفيلم السينمائي الذي يحمل اسم “أميرة” بشبهة المساس بالأسرى الفلسطينيين.
وهي حملة تقول سياسياً ووطنياً كثيراً، فنوافذ التسلل وأبواب التمرير في القضية الفلسطينية والقدس وفي مسألة التطبيع، رغم كل ما يقال أو تفعله الحكومة أو غيرها، مغلقة تماماً على أي إمكانات توافق حتى وإن كان الثمن أن يعطش الأردنيون أكثر. وبدلالة أن نغمة جفاف المياه والعطش أخفقت حتى عند نواب تيار الموالاة أو القريب من الصف الرسمي في المساهمة بتمرير اتفاقية الطاقة والماء المثيرة للجدل. والأردني هنا لا يقبل شروحات السلطة ولا تفسيراتها، وأغلب التقدير أن ما كان يعبر منذ عام 1994 بعد اتفاقية وادي عربة، شعبياً على الأقل، لم يعد كذلك الآن.
قراءة بين السطور
بهذا المعنى يلفت مرجع برلماني وتشريعي نظر “القدس العربي” إلى أن ما ينبغي أن يقرأ بين الأسطر والأحرف في جلسة أمس الأول الأربعاء التي أخفقت وأفشلها تهريب النصاب بمبادرة وطنية وذكية من النائب الإسلامي صالح العرموطي، هي تلك الإشارات التي تناثرت في المشهد البرلماني هنا وهناك، والتي تقول الكثير في حالة جمعها وقراءتها مع بعضها.
النائب الإسلامي الشاب، ينال فريحات، مثلاً قال بعدما غادرت أغلبية النواب جلسة منعقدة، بأن ما حصل الأربعاء سيكون له ما يكون لاحقاً. وشريك الفريحات في التجربة الشاب المسيس باسم النكهة الإسلامية، عمر العياصرة، لم يظهر بوضوح في تلك الجزئية من المشهد، لا بل يتحمل خلف الستارة الآن كلفة قراءة قد تكون غير منصفة لموقف علني مبكر حاول أن يظهر خلاله تجاه ملف الاتفاقية الإماراتية بقدر من الاعتدال.
وردود الفعل التي تلقاها نواب أصغر كتلة في البرلمان، وهي كتلة الإصلاح، تقول حتى الاعتدال في مسألة إسرائيل والتطبيع مرفوض.
لكن إصرار عدد كبير من النواب على مغادرة جلسة تقررت لمناقشة تلك الاتفاقية يقول بالصوت والصورة أيضاً وحصرياً لرئيس المجلس عبد الكريم الدغمي، إن الالتزام بنصوص النظام الداخلي أو حتى التحاور مع الحكومة أو غيرها في مسألة مثل التطبيع قيد الرفض والامتناع أيضاً.
تلك مفاجآت لها تداعيات ولا تقف عند هذه الحدود، فالسيطرة والتحكم عند الفريق الذي أدار مواجهتي انتخابات رئاسة مجلس النواب وتشكيلة وتركيبة اللجان التشريعية في سياق نغمة إدارية خرجت من السكة في المقابل، بدلالة تجاهل النواب وهم يغادرون الاجتماع لكل نداءات رئيسهم الدغمي في البقاء والمتابعة على أساس نصوص النظام الداخلي.
وقد فرض ونائبه أحمد الصفدي، بصمات يعرفها الجميع منذ بداية الدورة العادية على ما يجري تحت القبة، لكن التفويض البرلماني قال بوضوح لكل أركان المكتب الدائم في المجلس بأن الاستثناء في مساحة القضية الفلسطينية، وذلك يعني شيئاً ما مرده قد يكون رسالة ضمنية من أعضاء المجلس حتى للدولة ولمراكز القرار بعنوان “نستطيع تمرير كل ما تريدونه باستثناء البصم ومنح الشرعية على اتفاقية تطبيعية”.
«أين جماعتنا؟»
لوحظ في الأثناء أن سردية الحكومة في مسألة تلك الاتفاقية لم تجد إطلاقاً ولا نائباً واحداً، بما في ذلك من لا ليست عندهم مشكلات في التطبيع أصلاً، يستطيع أن يقف تحت القبة أو عبر منبره ليدافع عن اتفاقية تطبيعية. ولا يوجد نائب واحد استطاع فعلاً، بصرف النظر عن ارتباطاته الهندسية بثوبها الرسمي، الوقوف علناً لكي يتحدث حتى باعتدال عن تلك المكاسب التي تقال للجميع بعنوان تحصيل مياه مجانية للشعب العطش، أو بعنوان ركوب موجة جون كيري المختصة بالمناخ.
لافت جداً بالتوازي، أن مشهد النواب وهم ينسحبون لم يتخلله ولا صوت واحد أيضاً يمكنه أن يتحدث، ولو تلميحاً، عن حتى الإصغاء لشرح الحكومة؛ فقد قايض العرموطي وجوده وحضوره للجلسة بوجود وزير المياه أو أي وزير “مطبع”، وكانت النتيجة أن غادر العرموطي فغادرت معه الأغلبية، وتم تعليق الجلسة.
يسأل أحدهم في مقر سيادي بعد المشهد: “أين جماعتنا؟”.. أين النواب؟ أين الأعضاء الذين تم تسمين بعضهم؟ أين مخرجات الهندسة للانتخابات؟
ثلاثة أسئلة في غاية الأهمية، فقد ظهر بأن صوت الحكومة والموقف الرسمي في طي الكتمان، والرواية بلا جمهور أو مؤيد. وظهر بأن مبادرة بسيطة لبرلماني يستهدفه الجميع ولم يصوت له الزملاء بأمر رسمي لكي يكون عضواً في لجنة لا أحد يستحق أن يترأسها مثله وبقدره، وهو العرموطي، تستطيع تحريك المناخ العام وسط النواب في كلمة عريضة قوامها “إلا التطبيع”.
تيار الموالاة لم يستطيع المجازفة بأي ظهور علني هنا، يدافع حتى عن حق الحكومة في أن تشرح المسألة.
والنائب الهادئ عبد الرحمن العوايشة، شوهد وهو يغادر بصوت مرتفع مع سؤال مباشر للدغمي عما إذا كان رئيس المجلس يبحث له عن مقعد لدى الحكومة؟
الموقف واضح، والرسالة أوضح، وما تقوله تلك الجلسة الغريبة بنسبة كبيرة إن النواب جميعاً يطالبون الحكومة والسلطة بعدم الاقتراب منهم وتحديداً في منطقتي إسرائيل والتطبيع.
"القدس العربي"