من طبعي ألّا أهاجم أو أؤيد أو أنتقد أي موضوع أو أية قضية قبل التأكد من المصدر ، ويدخل هذا في صلب العمل الإعلامي المحايد ، بالأمس شاهدتُ الفيلم الجدلي أميره ، الذي عُرض مؤخراً في مهرجان فينيسيا بحضور أعداد كبيرة غالبيتهم فلسطينيون ، وما لفت انتباهي هو التصفيق الحار من قبل الحضور والذي امتد لنحو 7 دقائق ، وما أرغب بتوضيحه أن الأردن ليس له علاقة بالفيلم ، فالمخرج محمد دياب وهو مصري ومساعده فلسطيني علي أبو اسعد ، وكافة ممثليه هم فلسطينيون ومن جنسيات عربية مختلفه / والهدف من هذه الضجة بكل صراحة ووضوح هو جعل الأردن متورطاً ومتهماً بالقضية الفلسطينية ، وهذه شكوك اعتدنا عليها منذ 73 عاما .
لقد آلمني كثيراً الإساءة التي ألصقها زمرة من الحاقدين والشامتين بهذا الوطن الذي لا ناقة له ولا جمل ، وهم الذين أثاروا الضجة بطريقة غير مهنية ولا موضوعية ، مطلقين التهم الجارحة للأردن من غير تفاصيل مؤلمة ، فلا نحن كتبنا نصوص الفيلم ولا أنتجناه ولا عرضناه ولا وزعناه ، ولا تدخَلنا به من قريب ولا بعيد ، بل ان المؤلف والمخرجين الاثنين المصري والفلسطيني يتحملون كامل المسئولية القانونية عن محتوى الفيلم وترويجه في المحافل المختلفة ، ولم يتعدّ الدور الأردني أكثر من الموافقة فقط على طلب لجنة الفيلم بترشيحه للأوسكار ، ولو لم يوافق الأردن على طلب تلك اللجنة لأصبح متهما بأنه ضد القضية الفلسطينية .
أما موقف الأردن الرسمي وبعد إثارة الضجة حول الفيلم ، فقد سارع الى منع تداوله في المملكة وعدم عرضه في دور السينما الأردنية ، وقد أصدرت لجنة الفيلم والتي يشكل الفلسطينيون غالبية أعضائها بياناً ، أكدوا فيه على مسئوليتهم أن الفيلم لم يسيء لقضية الأسرى الفلسطينيين وأن هناك إجماعا خلال عرضه في المهرجانات السينمائية بأنه يصور قضية الأسرى بشكل إيجابي إنساني وينتقد الاحتلال بوضوح ، وأنه أي الفيلم يطرح قضية في غاية الحساسية لدى الشعب الفلسطيني، وهي سعي الفلسطينيين المحتجَزين في سجون الاحتلال الإسرائيلية للإنجاب من زوجاتهم عن طريق تهريب السائل المنوي داخل أكياس من رقائق البطاطس وزجاجات أدوية ، وإجراء عمليات تلقيح اصطناعي ، والخلاصة أن الأردن أوقف عرض الفيلم في الداخل ، لكنه ليس مسئولا عن عرضه في أقطار العالم وليست لديه صلاحيات أكثر من ذلك .
وأود التذكير بالمناسبة أن ما قدمه الأردن للقضية الفلسطينية ، لم تقدمه أية دولة في العالم كله ، فقد بلغ اجمالي ما أنفقه الأردن على القضية 83 مليار دينار ، و 4000 شهيد وعشرات الآلاف من المصابين ، وهناك عقارات أردنية تخضع لاستخدامات الفلسطينيين في الضفة الغربية من غير مقابل ، وأراضٍ تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية مسجلة باسم خزينة المملكة الأردنية الهاشمية وهي أيضاً تحت تصرف الفلسطينيين ، أسوق ذلك للتذكير فقط وليس منةً على الأشقاء .