زاد الاردن الاخباري -
كتب: عبدالهادي راجي المجالي - .. أنا أعشق الملك، ليس تزلفاً ولا نفاقاً ولا اقتراباً.. ولكني أؤمن بأنه ضرورة ملحة، لسلامة التراب وأمن البلد، أؤمن بأنه رمز الدولة وعنوانها.. وأؤمن بأنه الحامي للسيادة والوجدان.. وأؤمن بأنه الرحيم قلبا والمتسامح، والأوسع صدرا فينا كلنا..
أسوأ شيء يحدث الان مع الوطن، هو أن تمارس الوعي على النظام السياسي.. وعلى الدولة بهياكلها ومؤسساتها، وسلطاتها التنفيذية.. لقد خضنا صراعا شرسا مع عبدالناصر لأنه حاول استصغار البلد واستصغار نظامنا السياسي، ودخلنا في حروب طاحنة مع إسرائيل لأنها حاولت النظر لنا كدولة صغيرة غير مؤثرة قابلة للإحتواء.. هزمناها في عدة منازلات، وأخبرنا العالم كله عن حجمنا.. وعمان ذات عام مليء بالحرب والبارود، بردنا حرارة الشوارع فيها لأن البعض.. حاول عن سوء نية أن يستصغر نظامنا السياسي، وينظر له بأنه نظام قابل للكسر أو الهزيمة..
الذين يمارسون الوعي على الدولة الان، عبر منابر الفراغ.. وتصريحات النعيق المؤذي.. هل حملوا سلاحا؟ هل خاضوا حربا.. هل أنتجتهم كتبهم التي احتلت مكتبات (هارفرد) ومنابر (السوربون).. أم أنتجتهم الجولات الفكرية التي خاضوها مع (تشومسكي) و(روجيه غارودي) أم أن النظام السياسي هو من أنتجهم كقادة وجعل منهم رموزا قبلية وشعبية.. وأغدق عليهم.. وقدمهم للمجتمع.
لا يحق لأحد أن يمارس وعيا على الدولة، هذا يسمى في السياسة.. قصورا وعدم فهم للمشهد، وبحث عن الشعبويات لا أكثر..
أنا مع الملك، مع الشيبات اللواتي نبتن على الرأس.. ليس بفعل السن والعمر.. ولكن بفعل أيام نمنا فيها على القلق، حين كانت بغداد تقصف وتدمر وتحتل.. واستطاع الملك تجاوز أزمة، كان من الممكن أن نغرق في تبعاتها..
أنا مع الملك وأتذكر مرحلة كان الربيع العربي فيها، يعصف بنا.. والبعض من أبناء جلدتنا وللأسف قرر أن يمضي في ركب الخراب، ومن حمى التراب والبلد هو الملك.. الذي لم يسجل في عهده أن مواطنا قتل بفعل رأي سياسي، أو أن مواطنا اخر سحل بفعل هتاف.. أو بفعل إساءة..
أنا مع الملك.. مع مرحلة كان المطلوب منا فيها أن نزج في أتون المحرقة السورية.. وكان المطلوب من جيشنا أن يتورط في دم عربي، وقاوم الملك وقاتل.. وقدم سلامة (عيالنا) ونظافة سجل جيشنا،على كل مغريات الدولار والإقتصاد....وحفظنا لسوريا سلامتها وحفظنا لأنفسنا طهر سلاحنا، الذي لا يوجه لعربي.. ولا يقصف أرضا عربية.. بل هو للعرب..
أين كان سادة المنابر.. ورفاق محمد عابد الجابري في التنظير، وتلامذة (فوكوياما) في الفكر.. أين كان هؤلاء الذين ينتجون معاركهم في القاعات الفاخرة، ومن خلف المكاتب الوثيرة.. كانوا في لندن ومنتجعات سويسرا، كانوا يحظون بدفء الشواطئ في إسبانيا.. ونحن كنا هنا نفهم وندرك ونعي خطورة المشهد لا بل نعيش قلقه..
أنا مع الملك.. ويجب أن لا نسمح لأي كان أن يمارس وعيه وفوقيته على الدولة والنظام.. وأنا مع الملك ليس في إطار، التقرب والتودد.. والبحث عن مكتسبات، أصلا مكتسباتي في هذا الوطن هي الألم والتهميش، وهم مكتسباتهم البنوك والملايين والقصور والفلل.. ولكني مع الألم والتهميش اكتسبت أيضا الصدق، أنا لا أغمز أو أهمس على ملك عشنا معه في الحكم أكثر من (20) عاما.. رفعنا سقوفنا إلى الأعلى وانتقدنا وهاجمنا.. جلسنا على طاولته وقابلناه، ورمينا بأوجعانا أمامه.. لم أشاهده غاضبا ولم يأمر باعتقال واحد منا، ولم يتردد يوما في الإطمئنان على سلامتنا.. ولم ينتقم، لم يتدخل في أرزاقنا.. لم يهمل أوجاعنا، بالمقابل من كانوا في غياهب النسيان وأخرجهم الملك للضوء وقدمهم في مواقع المسؤولية.. هم من لم يحفظوا الود في تلك الجلسات، وهم من لم يحفظوا عهودهم مع الوطن.. وهم من يضربون على وجع الناس ويحرضون على الدولة..
واحد فيهم كان يتحدث عن الهوية، وكلما زرنا بيته كان يطلعنا على تمثال (بوذا) الذي نصبه في بيته، وقام باستيراده من الهند بكلفة تجاوزت الـ (100) الف دولار، كان يخبرنا بتفاخر كم أمضى النحات في عمله.. على الأقل في مجلس الملك وديوان الملك لاتوجد تماثيل بوذا، توجد ايات الله معلقة على الجدران وصور من استشهدوا من الهاشميين..
أنا مع الملك.. مع شيباته، مع قلقه، مع الألم الذي يعتصر قلبه.. وأظن أن البلد تحتاج منا نحن أن نستمع لبعضنا ونتحاور مع بعضنا، لا أن نستمع لمن لا يعرفون إغلاق مواسير المال.. ولا ينامون بعمق إلا في فنادق لندن، ولا يرتدون إلا البذلات الممهورة بتوقيع من صنعها وبأحرف اسمائهم على أطرافها..
أنا مع الملك.. وغير ذلك هو مجرد هراء.