زاد الاردن الاخباري -
يُجدّد فصل الشتاء في كل عام معاناة آلاف العائلات في إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا، حيث يقيم ثلاثة ملايين شخص نصفهم نازحون فروا من مناطق أخرى على وقع تقدم المعارك خلال سنوات النزاع، الذي أودى بحياة قرابة نصف مليون شخص.
ومع بدء هطل الأمطار الغزيرة، تتحول الطرق الترابية الفاصلة بين الخيم إلى ممرات موحلة، تتسرب منها المياه إلى داخل الخيم التي يحاول سكانها تقويتها عبر أحجار كبيرة، وهنا يتدافع عمال الإغاثة لتقديم الدعم والمأوى للأشخاص الذين اقتلعهم النزاع من ديارهم والمعرضين لخطر التجمد حتى الموت.
لكن، ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" فإن إحدى المؤسسات الخيرية ذهبت إلى أبعد من ذلك بمشروع طموح لبناء مدينة جديدة من الصفر ، وذلك سعيًا لتوفير ملاذ آمن لآلاف الأشخاص في المنطقة، الذين أُجبروا على العيش في خيام خلال عقد من الحرب.
والبلدة الجديدة، التي لم يتم الكشف عن موقعها الدقيق لأسباب أمنية - قريبة من الحدود السورية مع تركيا، وستتضمن 1000 منزل لحوالي 6000 نسمة بالإضافة إلى مدرسة ومستشفى وحديقة عامة ومسجد.
وأوضح تشارلز لولي، رئيس قسم المناصرة في "Syria Relief"، وهي مؤسسة خيرية بريطانية تعمل مع منظمة عطاء الإغاثة التركية غير الحكومية: "إنه أمر ضروري.. فهناك ملايين النازحين السوريين الذين يستحقون العيش في منزل حقيقي".
وتابع: "لا نريد أن نبني منازل فقط، بل نسعى أيضا لتأسيس مجتمع قادر على تلبية احتياجات الناس الطبية والتعليمية".
وكان قد نزح ما يقرب من 13.5 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا من ديارهم منذ عام 2011، نصفهم تقريبا لا يزال داخل البلاد، وقد حذر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير صدر هذا العام من أن ستة ملايين شخص آخرين قد يتم إجبارهم على النزوح من ديارهم خلال العقد المقبل إذا استمر الصراع والانهيار الاقتصادي في البلاد.
"الرفق بالإنسان"
ويعيش حوالي 60 في المائة من هؤلاء السوريين الذين جرى اقتلاعهم في شمال غرب البلاد في مخيمات للنازحين داخليًا، حيث تتكدس العائلات الكبيرة في خيام واهية وتكافح من أجل البقاء دافئة أو إطعام أطفالها، وهنا يوضح لولي أن "العديد من الأرواح معرضة للخطر" خلال أشهر الشتاء حيث تتضرر العديد من الخيام ويصبح الوصول إلى الوقود للتدفئة محدودًا.
وتابع: "في كل سنة نرى الناس يتجمدون حتى الموت، وتتفاقم الظروف الصحية الحالية بسبب البرد، ويؤدي تغير المناخ إلى حدوث فيضانات وسقوط أمطار تدمر الخيام بشكل لا يصدق عامًا بعد عام".
وفي نفس السياق، قال عامل الإغاثة آدم كيلويك، الذي عمل مع منظمة "Syria Relief" وعاد مؤخرًا من المنطقة، إن بعض النازحين السوريين أُجبروا على العيش في ظروف لا تفي حتى بمعايير الرفق بالحيوان الغربية.
وتابع "التقينا بالعديد من النازحين من مختلف أنحاء البلاد الذين فقدوا منازلهم بين عشية وضحاها وبعض العائلات تعيش في خيام لا تتفق مع معايير RSPCA"، في إشارة إلى جمعية الحيوانات الخيرية البريطانية.
ولفت إلى أن الكثير من النازحين ليس لديهم أي مصدر دفء على الإطلاق وأنهم يعتمدون على الأشجار المحيطة بمخيماتهم لدرء الرياح الباردة.
وأكد أن المدينة الجديدة سوف تكون فسحة أمل كبيرة لأولئك "الذين عاشوا في ظروف بائسة لمخيمات غير رسمية على مدى السنوات القليلة الماضية"، مضيفًا أن العديد من الأطفال سيعرفون أخيرا معنى وجود مرحاض في المنزل.
"الدرويش المحظوظ"
ومع استمرار أعمال الإنشاء في تلك المدينة فقد جرى بالفعل الانتهاء من بناء 100 منزل ومن المقرر أن يكون 150 منزلًا آخرين جاهزين للسكن بحلول فبراير 2022، وجميعها تتألف من غرفتي نوم ومطبخ ومزودة بالكهرباء والمياه الجارية ومرافق أخرى.
وكان محمد الدرويش من أوائل الذين انتقلوا إلى البلدة بعد أن فقد هو وعائلته كل شيء بين عشية وضحاها في بداية الحرب الأهلية، موضحا: "لقد تعرض حينا للهجوم ولم يكن أمامنا سوى الفرار والعيش في خيام، ثم وصل النزاع إلى حيث كانت خيامنا واضطررنا إلى المغادرة مرة أخرى.
وزاد: "غادرنا بالملابس التي كنا نرتديها دون أخذ أي شيء آخر، وقد كتب علينا أن نعيش حياة التشرد والتنقل منذ سنوات عدة".
ومع ذلك، فهو واحد من القلائل المحظوظين لأن معظم السوريين المشردين ما زالوا في مخيمات يستعدون لفصل شتاء قاسٍ آخر وغير متأكدين من متى سيكون لديهم منزل مناسب مرة أخرى.
وقال منسي غيث الحسون، الذي يعيش في مخيم كفر بني للنازحين في إدلب: "عائلتي تتكون من 14 فردًا ، تسعة منهم أطفال وجميعنا نعيش في خيمتين فقط".
وتابع بأسى: "أخشى على الأطفال أكثر مما أخاف على نفسي وعلى زوجتي. نحن بالغون نستطيع التعامل مع البرد وتحمله، لكن الأطفال لا يستطيعون تحمل هذه الظروف الصعبة".