يسري غباشنة
14/6/2011
سيدي أبا القاسم ... عذرا ( 2)
عذرا على كلّ قبصة جمر أشعلناها بأيدينا لتحرق ما تبقى في معجمنا من مفردات الفضيلة والعفاف والشرف التي ندر وجودها بعد بدء انتشار عشش الفجور والفسق في دروب الكازينوهات والمساج والشقق المفروشة وغير المفروشة. عذرا سيدي على صنوف الفتن التي برعنا في إخراجها؛ من فتن دينية إلى مذهبية إلى إقليمية وأخرى وطنية نتراشق في ساحاتها بالتكفير والتخوين، شاهرا كلّ منا سيفه وخنجره وشبريته وما طالت يداه في وجه الآخر أنّى كان هذا الآخر؛ أخا أم قريبا أم صديقا أم جار جنب وغير جنب. لقد أغلقنا باب المجادلة بالحسنى، ومترسنا نافذة المحاورة بالحديد والأقفال؛ فلا عاشت الآراء بعد رأيي، ولا قامت لحجج بعد حججي قائمة، فأنا الخطيب المفوّه وما غيري إلا سحّيجة يؤّمِّنون على قولي حتى لو كنت أنطق عن الهوى. الكلّ منا-سيدي- يدعى الصواب في الرأي والسداد في الرؤى والبعد في النظر، وليتنا ياسيدي ننظر إلى موطئ قدمينا بعد أن زادت عثراتنا، وتشعبت زلاتنا.
أسوق هذه المقدمة بعد أن تقاطر إلى مسامعنا ما يفرزه العدد مليون من إبداعات وبدع على صفحات الفيس بوك؛ فما أن تداعى السلفيون إلى مليونية المليون لحية قبل حلول شهر رمضان الفضيل، حتى فتحت صفحة أخرى تدعو إلى مليونية البكيني، وإنْ فتحت صفحة في قادم الأيام إلى مليونية السكسوكة، ستفتح أخرى إلى مليونية المايوه، في صراع محموم بين المتناقضات التي تتكون منها جيناتنا لتظهر في كل حقبة زمنية على أشكال وصور مستندة إلى إرث من الهزائم العسكرية والسياسية والأخلاقية. فتارة بين عرب وترك وفرس، وأخرى بين هذا سنّيّ وذاك شيعيّ، وتارة بين سلفي وجهاديّ وتكفيري وليبرالي، وأخرى بين يساري ويميني. وهلم جرا، حتى تشرذمنا إلى طوائف نناصب بعضنا العداء والمرجلة بعد أن تطايرت معاني الرجولة من وجوهنا، فأصبحنا نرى الفاحشة بألوانها ومستوياتها ونغض الطرف عن التصدي لها بحزم. فهاهما شارعا مكة والمدينة قد لحقا بالحمراء والهرم ومحمد علي، وتلكم هي عيادات المساج تقدم خدماتها إلى زبائنها آناء الليل وأطراف النهار، وهاهم عبدة الفرج والشيطان يتناسلون ويتكاثرون حتى صرنا نسمع عن وجودهم في الضواحي وضواحي الضواحي. وكذلك هاهم ذرية قوم لوط في بحيرتهم عراة يروجون إلى سلعهم ومشروباتهم بالبكيني والمايوه. وغير هذا وذاك مما نرى ونسمع الكثير.
سيدي أبا القاسم- عليك أفضل السلام وأتمّ التسليم-
عندما نقرأ حديثك الشريف بأنّك ستباهي بنا الأمم يوم القيامة، نطيح بوجوهنا ذات اليمين وذات الشمال خجلا ومنقصة على ما أحدثنا بعدك؛ لقد خلطنا الحابل بالنابل فلم نعد نميز بينهما، كلّ منا يجزّ رقبة أخيه وكلّ منا يدعي أنه المجاهد والشهيد، والآخر هو المرتد والكافر والزنديق؛ حروب أهلية من مغرب عُرْبِنا إلى مشرقه، فقر وجوع في قاع المدينة وعري وفاقة في قيعان الأرياف والبوادي، مقابل أرصدة بالملايين والمليارات في أيادي حفنة من سفلة القوم الذين استباحوا كلّ المحرمات الدينية والدنيوية، فأخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، فتوزعوا بين طريد مطرود، إلى مسجون في سجن شيده بيديه، إلى جرذ يختبئ في أنفاق تحت مستوى سطح الأرض بعشرات الأمتار......!!
سيدي أبا القاسم- عليه أفضل السلام وأتمّ التسليم-
هاهو الشهر الفضيل يقبل بخيراته وبركاته وها نحن نهرول من أمامه بأفعالنا التي يندى لها الجبين، جاء الشهر الفضيل بطهره، وها نحن نستقبله بالبكيني والمسلسلات والحزازير، وما أعددنا له من صراع بين السكسوكة والمايوه على صفحات الفيس بوك، والمنافسة المحمومة بين مسلسل تركي وآخر مصري وثالث يتنقل بين حارة وأخرى دون أن يستقر على حال. نعم تصفد في هذا الشهر الشياطين، ولكنا فككنا قيد شياطيننا ولجام أباليسنا. وسيسنّ المحتكرون لسلع العباد أسنانهم وأنيابهم، و(سيتلاحم) بعض الصائمين، يمسك بعضهم بتلابيب بعض من أجل (ظمة) بقدونس أو (بكسة) خيار، وما إلى ذلك من سلوكات نعايشها وأشباهها في كل رمضان، وفي كلّ عام.
ومع كلّ هذا سيدي يا رسول الله، مادام القرآن الكريم بين أيدينا وفي صدورنا فلن نعدم الوسيلة والدرب الذي يأخذ بأيدينا إلى سواء السبيل إن شاء الله تعالى.