مهدي مبارك عبد الله - الشاعر عمرو بن معدي بن ربيعة الزبيدي صدق حين قال ( لقد أسمعت لو ناديت حيـا ولكن لا حياة لمـن تنادي ولو نار نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد )
في ظل وجود نواب لا يمثلون الشعب ولاهم خياره الحر غارقون في البحث عن المصالح والمكاسب والامتيازات وبيع السراب والمتاجرة بالوهم ومواصلة الصراع البهلواني وفقدان لغة الحوار حول تاء التأنيث ونون النسوة لـ ( الأردنيات ) دون بحث مشروع وواجب حول تفاقم اوجاعهن ومعاناتهن المعيشية جراء اتساع رقعة الفقر والارتفاع الجنوني للاسعار
الحكومة بسياستها الضبابية وألاعيب الحنكة والذكاء استطاعت فرض الأمر الواقع والنجاة من التعديل المرحلي او الخروج الكلي من المشهد التنفيذي والسياسي بنقلها المعركة الى عقر البرلمان التشريعي وإشعال الخلافات بين اعضائه الجهال وتحييدهم حتى عن مجرد السخط او النقد او الاعتراض عما يجري وابقائهم تحت سيطرة التعليمات والتوجيهات في كل ما يمس حياة المواطنين من تغول وقيود وقرارات
قبل خمس اعوام تقريبا من انتشار وباء كورونا كان الغلاء الفاحش وارتفاع الاسعار الجنوني في السلع لأساسية والخدمات الضرورية فضلا عن الاستغلال والجشع يستشري بقوة واستئساد في كل اسواق ومختلف ارجاء الوطن مؤخرا أعدت حماية المستهلك دراسة مقارنة ميدانية تناولت التغيرات التي طرأت على أسعار السلع من 1/ 2021 بالمقارنة مع أسعارها في في 1/1/ 2022 وشملت الدراسة قراءة أسعار 105 سلعة أظهرت نتائجها التي أشرف عليها الدكتور محمد عبيدات رئيس حماية المستهلك ارتفاع اسعار 47 سلعة غذائية واستهلاكية والمنظفات بنسبة بلغت 17.8% وانخفاض اسعار 2 سلعة بنسبة 15.4% من الخضار الموسمية وثبات أسعار 56 سلعة
وبحسب الدراسة ذاتها فقد ارتفعت أسعار بعض انواع الخضار بشكل كبير حيث سجلت سلعة الزهرة أعلى نسبة ارتفاع حيث بلغت 50% ثم الخيار 42.8% ، ثم سلعة البطاطا 30% و البصل الناشف 27%، أما السلعتين التي انخفضت اسعارها فهي سلعة الثوم بنسبة بلغت 14.2% والكوسا 20% والليمون البلدي 16.6%، وثبات اسعار البندوره والباذنجان والفاصوليا البلدية
أما بالنسبة للفواكه فقد ارتفع سعر الموز البلدي بنسبة بلغت 33.3% وهذه نسبة ارتفاع كبيرة توجب معها وزارة الزراعة السماح باستيراد الموز من البلدان المجاورة لخلق حالة من التوازن السعري تتناسب مع القدرات الشرائية للمواطنين
كما ارتفعت ايضا اسعار الالبان المصنعة بنسبة متفاوتة ما بين 4% 7.6 % بالرغم من قرار وزارة الصناعة والتجارة والتموين بعدم رفع اسعار الالبان ومشتقاتها الا بعد عمل دراسات علمية متخصصة لمعرفة الكلف الحقيقية لها ولكنه تم رفع اسعار الالبان دون الرجوع الى الجهة الرقابية المسئولية عن هذا الأمر ولغاية الآن لم تتخذ الوزارة أي اجراء لمنع هذه الارتفاع
كما رفعت الحكومة أسعار النفط مرات عديدة على الرغم من هبوطه عالمياً ورفعت الضرائب والرسوم على السيارات الهجينة بطريقة متزايدة مستغلة غياب النواب والأحزاب عن ساحة التأثير الفعلي ولا زال الأردنيون يعجزون حتى اللحظة عن فك لغز وطلاسم ارتفاع أسعار المحروقات على نحو مطرد يلتهم أكثر من نصف رواتبهم ونفقاتهم الشهرية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومتردية وبلوغ الفقر والبطالة مستويات قياسية حيث يعد الأردن واحد من عشر دول الأكثر ارتفاعاً بأسعار الوقود عالمياً والأولى عربيا
بعدما اصبحت الحكومة تعتمد بشكل كبير على الإيرادات المتأتية من بيع المشتقات النفطية والتي باتت كنزاً لا يفنى حيث تبيعها للمواطن بأسعار مبالغ فيها على الرغم من حصولها على منح نفطية بعضها مجانية وأخرى بأسعار تفضيلية خاصة من العراق للأسف جيب المواطن الأردني غدى لملاذ الأول والأخير للفريق الاقتصادي الحكومي
وبالتوازي مع قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، فاجأت الحكومة المواطنين بقرارها رفع أسعار الكهرباء على الشرائح التي تستهلك أقل من 600 كيلوواط ساعة شهرياً والذي سيطبق اعتبارا من الاول من نيسان القادم وقد قوبل القرار الجديد بسخط شعبي خاصة وأن ملف أسعار الكهرباء يشوبه كثير من الغموض والتخبط كما هي الحال بالنسبة إلى أسعار المحروقات وأن ارتفاع سعر الكهرباء بشكل مبالغ فيه سوف يتسبب حتما بانخفاض النشاط الاقتصادي وتراجع الاستثمار الخارجي وهروب الاستثمار الداخلي وإفلاس كثير من المشاريع
اسمحوا لنا بعمل مقاربة بسيطة مع الرواتب المحدودة لمعظم الموظفين العامليين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين وغيرهم من موظفي القطاع الخاص ونقارن ذلك بارتفاع تكاليف المعيشة في الاردن سنجد ان رواتب الناس لا تصلح لهذا الزمن الحالي ما بين 300 الى 500 دينار علما ان خط الفقر عندنا منذ سنوات ينطبق على من دخله الشهري اقل من 800 دينار
المواطن الغلبان يعيش حياته بالدين والاقتراض وعمل الجمعيات لمحاولة تسليك اموره وعائلته فهناك مصاريف جامعية ورسوم وكتب ومصروف للطلاب والطالبات وهناك اشخاص وهم كثر يدفعون اجرة سكن من رواتبهم البائسة واخرون لا يجدون نصف دينار في جيوبهم لأبنائهم عند ذهابهم للمدرسة ولا يستطيعون شراء ما يلزم لهم من ملابس وقرطاسية وتوفير مصاريفهم اليومية ولا ننسى الفواتير الشهرية للكهرباء والمياه والمخالفات وترخيص السيارات كل ذلك يدفعه المواطن من راتبه الشهري المحدود والثابت منذ زمن طويل وهو ما جعل معيشة تسير ( ترقيعا بترقيع )
خلال الاشهر الاخيرة الماضية شهدت الاسواق المحلية ارتفاع ملحوظ على معظم المواد الغذائية والسلع الضرورية بنسب وصلت إلى 100 بالمئة لبعض الأصناف ما انعكس على القدرات الشرائية للكثير من الأسر ليتراجع الطلب وتتزايد مخاوف التجار من تعمق الأضرار إضافة إلى زيادة مستمرة على أسعار المحروقات التي تكررت نحو 8 مرات خلال في اقا من عام تعسفا باستخدام السلطة في ظل سريان وهيمنة قوانين الدفاع على كل صغيرة وكبيرة وعدم الاهتمام بأوجاع المواطنين وسماع صرخاتهم
كما طرأ ارتفاع كبير على اسعار بعض المواد والسلع الانشائية كالحديد والالمنيوم وكوابل الكهرباء والاخشاب والدهانات والصناعات التي يدخل البلاستيك في انتاجها كالمواسير البلاستيكية المستخدمة في تمديدات الكهرباء والمياه وغيرها ولا يسمع المتجول في أسواق المناطق الصناعية وبين الورش والمحال التجارية على اختلافها سوى الشكوى والتذمر من ارتفاع أسعار البضائع المستوردة إلى 100% وأكثر مما ادى الى وقف العمل في لعديد من مشاريع البناء والإسكان وزيادة معاناة صغار الصناعيين وألحاق الخسائر المالية بهم واضطرار الكثير منهم إلى الخروج من الأسواق وإغلاق منشآتهم
نسبة الفقر بلغت العام الماضي 15% والبطالة وصلت الى بنسبة 25% وهي الأعلى بمستوياتها التاريخية حيث كانت قبل كورونا بنسبة 19% وهذه أرقام حكومية وليست مستقلة الارقام المستقلة تقول بان البطالة في الاردن تصل الى 40% كما ان هنالك مديونية وصلت الى 48 مليار دولار بزيادة 3 مليارات عن السنة الماضية وهذا شيء مخيف جدا
في الوقت الذي تخفق فيه الحكومة في تشديد إجراءات الرقابة على التجار لضبط الأسعار ووقف المغالاة وتحديد السقوف السعرية لبعض السلع مثل الدجاج والارز والسكر وبيض المائدة والزيوت النباتية والألبان وبعض أصناف الخضار بسبب ارتفاع أسعارها بشكل غير مبرر وفقا لصلاحيات قانون الصناعة والتجارة بالإضافة الى تعزيز المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية وتحفيز المستوردين على شراء المزيد من الكميات خلال الفترة المقبلة لتغطية الاحتياجات المطلوبة
وضرورة تبسيط إجراءات دخول المواد الغذائية من كافة المعابر الحدودية وميناء العقبة وإزالة المعوقات التي تحول دون انسياب السلع بين الأردن وسورية في الاتجاهين والعودة للعمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا وتوحيد المرجعيات التي تتولى معاينة السلع لدى وصولها المنافذ الحدودية حيث توجد عدة جهات تقوم بهذه المهمة ولابد كذلك من تخفيض رسوم المعاينة والفحص وتسهيل وتسريع إجراءات تخليص البضائع والاستمرار بآلية وضع تجديد اسعار الشحن والإسراع في تنفيذ المشاريع التي تعزز الأمن الغذائي وبما يسهم في دعم قطاعي الثروة النباتية والحيوانية بهدف ضمان استقرار الأسعار
لأسف لم تمتلك الحكومة خطة طوارئ واضحة لتوفير السلع الأساسية والحد من أي تطورات سلبية في أسعارها واكتفت بتبرير أسباب ارتفاع أسعار السلع محليا بسبب ارتفاعها عالميا وكأن الأمر كان مفاجئا للمسؤولين الذين كان المفترض بهم ان يكونوا قد اعدوا خطة متكاملة بالتعاون كبار المستوردين لتأمين البلد باحتياجاتها اللازمة من تلك السلع بأسعار معتدلة في وقت مبكر
أهم الإجراءات العاجلة التي يمكن أن يلمس المستهلكون آثارها فعلا للحد والسيطرة على ارتداد الارتفاعات العالمية والمتواصلة والتي طالت أسعار السلع بسبب الإجراءات المرتبطة بجائحة كورونا تتعلق بضرورة خفض ضريبة المبيعات على السلع الغذائية والرئيسة والرسوم الجمركية على تخليص واستيراد السلع وتسريع إجراءات وكلف التخليص
ربما يكون في العودة للمقاطعة الان افضل وسيلة واجبة للاعتراض على طمع واحتكار بعض التجار من أصحاب النفس الضعيفة ووقف تهافت المواطنون على الشراء بكميات كبيرة واكثر من حاجتهم خوفًا من ارتفاع سعرها أو فقدانها من الاسواق المحلي لمحاربة الغلاء الذي يطحن المواطنين بلا رحمة
استمرار ارتفاع الاسعار الفاحش وغير الثابت يتطلب من الحكومة وضع خطط وطنية مسبقة لمدة لا تقل عن عام لمخزون السلع الغذائية الأساسية دون انتظارها للأحداث ومفاجآتها وتحمل مسؤولياتها بالتدخل الفوري لضبط الأسواق واتخاذ عدد من القرارات الجريئة في مراقبة وتحديد كافة الاسعار والبحث عن حلول سريعة لضمان حق المستهلك في الحصول على السلع الغذائية بسعر مناسب
وانهاء احتكار بعض السلع الأساسية من قبل عدد محدود من التجار يتحكمون باستيرادها وتوزيعها وتقليص ضريبة المبيعات بنسبة صفر على جميع السلع الغذائية الأساسية بغض النظر عن دولة المنشأ وتخفيض كلف الطاقة عن المصانع المنتجة للسلع الغذائية الأساسية وخاصة مصانع الزيوت ومراقبة عدم تسرب السلع الغذائية الأساسية من المؤسستين المدنية والعسكرية الى السوق حماية لكافة شرائح المجتمع سيما الفقيرة وبشكل فوري وقبل ان يفقد المواطن الاردني البائس الذي لم يعد قادر على توفير قوت يومه وستر اهله واجرة بيته ودواء اطفاله احتماله واتزانه وصبره حتى يتسنى له مواجهة الغلاء والمقدرة على العيش الكريم في ابسط صوره والله من وراء القصد
mahdimubarak@gmail.com