ماهر أبو طير - كل الشعوب تدفع الضرائب، وهذا ليس جديدا، ومقابل الضرائب، يحصلون على خدمات مختلفة، وهذا هو المبدأ الذي تقوم عليه الضرائب خصوصا في الدول المتطورة في العالم.
عندنا القصة مختلفة، إذ إننا ندفع الضرائب على كل شيء، ولا يحصل الانسان الا على اقل القليل، من حقوقه، لأن هذه الضرائب تذهب لسداد الديون وفوائد الديون، ولدفع الرواتب للموظفين العاملين والمتقاعدين، وكأن عموم الناس، بالإضافة الى القطاع الخاص، باتت مهمتهم فقط تأمين احتياجات الخزينة دون ان يحصل اغلبنا على شيء، لا على صعيد التعليم مرتفع الكلفة في الجامعات، مثلا، ولا على صعيد التأمين الصحي الغائب، ولا حتى على صعيد الخدمات التي تتراجع يوما بعد يوم، سواء خدمات البلديات او غير ذلك من خدمات مفترضة من الدولة.
اللافت للانتباه هنا ان الكلام الرسمي يتباهى انه لم يفرض ضرائب جديدة، لكن دعونا ندقق في المشهد جيدا، فليس مهما ما هو مسمى المبالغ التي يتم دفعها، لأن الارهاق اصاب الجميع، بسبب كل شيء، من اسعار النفط التي ترتفع شهريا، وصولا الى التوجه برفع اسعار الكهرباء، وتغيير الشرائح، وربما الدور يصل الى المياه، في توقيت ما، ومع كل هذا الارتفاع الكبير في اسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه واثمان الادوية وغير ذلك من قصص يتم تبريرها بعوامل غير محلية احيانا مثل ارتفاع سعر النفط العالمي، وارتفاع اجور الشحن، وارتفاع اسعار الغذاء في العالم.
هذا يعني ان على من يخطط للاحمال المالية على المواطنين الا يتباهى فقط بعدم فرض ضرائب جديدة، لان الحمل العام على كل انسان يتزايد، حتى لو كان بسبب عوامل غير محلية، وهذا يؤدي الى ارهاق كبير في حياة الناس، سواء كان بسبب ضرائب محلية، او ارتدادات الاوضاع العالمية على الاقتصاد الاردني، او وجود تدخلات دولية في وصفات الاقتصاد الاردني عموما.
صندوق النقد الدولي قال مثلا قبل يومين إنه من المتوقع أن يفقد أقل من 15 % من الأسر الأردنية الوصول الجزئي أو الكامل إلى الدعم في أسعار الكهرباء نتيجة للإصلاح، وهذا يعني كلفا اضافية على المواطنين والذي يدقق في فاتورة الكهرباء وحتى المياه يقرأ سطرا عن الدعم الذي تقول الجهات الرسمية انها تقدمه، وهذا كله سوف يتغير تدريجيا خلال السنين المقبلة.
نحن ندفع اليوم كلف سوء التخطيط، والذي يحلل المشهد يكتشف ان قطاعات كثيرة تعاني من ارتفاع كلفة الانتاج، والطاقة، والضرائب، والتراخيص، وغير ذلك، ولا توجد اي محاولة فعلية لإنقاذ هذه القطاعات من الزراعة الى المياه، وصولا الى الصناعة والتجارة، واللافت للانتباه على سبيل المثال كثرة اعلانات بيع المحلات التجارية من المطاعم التي اغلق الآلاف منها، مرورا بمحلات الحلويات التي يعلن اصحابها عن بيعها، اضافة الى اغلاق شركات ومشاريع ومؤسسات ومصانع، او انتقالها الى دول ثانية، وهناك ارقام تقول ان عدد المصانع الصغيرة والمتوسطة التي تم اغلاقها هنا تجاوز الألفين، بما يعنيه ذلك من خسارة رؤوس الاموال، وفقدان الوظائف.
الكلام الملفت ايضا ان الرسميين يتذرعون اليوم، بتأثيرات وباء كورونا، وملفات اللجوء، وزيادة عدد السكان، وأزمات اسعار الطاقة، وتأثيرات التغيرات في كل الاقتصاد الاقليمي والعالمي، واذا كانت هذه الملفات لها تأثيرها السلبي، الا ان التغيرات بدأت قبل ذلك بكثير، وربما يقال صراحة ان التوظيف الافضل للقروض والمساعدات والمنح النقدية، لم يتم كما يجب، حتى لو اصر الرسميون على ان الامور تسير بشكل جيد، بعد ان اصبحت سياسات الدولة اطفائية ومؤقتة وقائمة على جدولة الازمات بدلا من ان تكون جذرية، من حيث الابتكار، والتأثير النهائي.
ما يراد قوله هنا بشكل صريح وواضح اننا ندخل عاما اصعب، بكل المقاييس، على صعيد حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، دون ان نرى اي محاولة عميقة لفك كل هذا الانجماد الذي نعيشه.