اعتذرت الحكومة للشعب عن اخطاء "التوجيهي" وما سببته من ارباك ما زال مستمرا, واعترف وزير التربية امام مجلس الوزراء بالمسؤولية عما حدث, وعبّر عن اسفه وطلب المغفرة عن »القلق« الذي سببته "وزارته" للحكومة.
رئيس الوزراء بدوره شكل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن "الخطأ التقني البشري" في وزارة التربية ومحاسبتهم.
وتفيد المعلومات الاولية ان عددا لا بأس به من كبار موظفي الوزارة والفنيين الصغار سيدفعون الثمن بتهمة "الاهمال الوظيفي والتقصير في اداء الواجب" وستوصي اللجنة في تقريرها بتطوير البرامج الالكترونية في وزارة التربية وتجديد شبكة الحاسوب وتفعيل ادوات الرقابة والمتابعة ورفد دائرة الحاسوب بالكفاءات الفنية, وستُستثمر "الفضيحة" لسلب وزارة التربية صلاحياتها المتعلقة بادارة الامتحانات والمناهج وتأهيل المعلمين ونقلها الى مركز مستقل لتطوير التعليم يجري العمل على اطلاقه.
هذه الخطوات على اهميتها لا تبدو في نظر الرأي العام كافية للتوقف عن المطالبة باستقالة وزير التربية الذي اقر بالمسؤولية عن "الاخطاء", لان مبادئ المساءلة والمحاسبة التي التزمت الحكومة في ردها على كتاب التكليف السامي بتطبيقها على "القائمين على خدمة الشعب في الحكومة وفي جميع المؤسسات" هي وحدة واحدة لا تتجزأ يلتزم بها الوزير قبل الموظف.
والقضية هنا ليست "عاطفية" او رغبة بالانتقام من شخص الوزير, فهو رجل صاحب خبرة ومكانة محترمة لا يجوز المس بها او التقليل من شأنها وانما التزام بمعايير الوظيفة العامة وتقاليدها في الدول المتحضرة التي تحكمها المؤسسات وسلطة القانون.
والاستجابة الى رغبة الرأي العام ليست دليل ضعف للحكومة او الوزير انما هي ارقى تعبير عن احترام ارادة الناس, والاستقالة اذا ما حصلت ستزيد من احترام الناس للوزير وترفع من رصيد الحكومة الشعبي ولعل ذلك يعينها وهي تستعد لقرارات اقتصادية صعبة.
ونحن هنا لا نجادل في عمل غير مسبوق, ففي العقد الاخير ارست حكومة معروف البخيت تقليدا محمودا يتعين على الحكومات من بعدها السير عليه, فعندما حدث تلوث المياه في منشية بني حسن قدم وزيرا المياه والصحة استقالتيهما وتحملا بشجاعة المسؤولية السياسية والاخلاقية فيما تولت لجنة تحقيق تحديد المسؤولية القانونية واصدرت حزمة عقوبات وقرارات تأديبية بحق موظفين في الوزارتين.
اذا كانت مأساة بحجم "التوجيهي" او اختلاسات مالية في وزارة او تلوث مياه الشرب لا يستدعي استقالة الوزير فمتى تصبح الاستقالة واجبة?
وأين هي حدود المسؤولية التي وضعها الدستور على الوزراء اذا كان كل ما يتصل بعمل الوزارة وعلاقتها مع المواطنين غير مشمول في قائمة الواجبات?
الاستقالة استحقاق سياسي لا بد منه سواء كان عمر الحكومة سنة واحدة او يوما واحدا.