خاص - عيسى محارب العجارمة - كما هي الأشياء الجميلة تعقب الحزن افرحتني لوحة فنية بديعة لم اتبين كنهها لاني نظرتها من الشارع المحاذي لأمانة العاصمة برأس العين ولا يطاوعني قلبي بالعودة لذاك البيت الأبيض أن صح التعبير لرحيل صاحبه الغالي على نفسي ولربما لجرح يعرفه بعض من سكن المكان لم تقر لليوم بلابله ويبقى المعنى أسير نفس الشاعر.
فاللوحة الفنية الجميلة المدهشة والتي اتكهن انها نتاج الحس الفني الرفيع لنجله المهندس مدين الجزيرة صديقي العزيز أيضا رغم بعد الشقة، كانت تتدلي بحجم أكثر من خمسة طوابق، مرسومة على الواجهة الشمالية، من منزل صديقي العزيز المرحوم كمال الجزيرة بجبل عمان، والذي تشرفت بحراسة منزله، ردحا من الزمن، تجاذبت معه خلالها أطراف الحديث، حول فلسطين ونكبتها، وحياته وكفاحه المشرف بالكويت، قبيل عودته وأسرته الكريمة كما آلاف الأشقاء الفلسطينيين عام ١٩٩٠ إثر غزو صدام لها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن صديقي العزيز كمال الجزيرة محب للكتاب والجريدة الورقية ويزودني بها بعد مطالعتها، وكم اشبهه ببطل رواية جميلة بعنوان الخيمائي تلك الرواية العالمية الرائعة، التي كتبها باولو كويلو، وجعلت كاتبها من اشهر الكتاب العالميين، تتحدث عن سانتياغو الراعي الأندلسي، الذي التقى بالخيمائي عارف الاسرار العظيمة، وحبه الكبير فاطمة، خلال رحلته من اسبانيا للمغرب ومصر، بحثا عن أسطورته الشخصية، وهي كنز مدفون قرب الاهرامات ، تتلخص فكرة الرواية بجملة قالها الملك لسنانتياغو :- أذا رغبت في شئ فأن العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك .
أخط هذا المقال، وداعا لصديقي الحاضر الغائب في وجداني دائما ابدا الخيميائي السيد كمال الجزيرة – أنزل الله عليه شآبيب رحمته - الذي لم اعرف بخبر وفاته الا بعدة سنوات من رحيلة، ربما لقسوة قلب من جاء بعده، فهو رجل الاقتصاد الفلسطيني الناجح، ابن الاردن والكويت معا، وعاشق فلسطين الأبدي، الرجل الذي المني رحيله، وهو القامة العالية ذا الثقافة الموسوعية الرفيعة، فألى جنان الخلد ابا منهل الغالي، فقد داهمتني ذكرى النكسة هذا العام مرتين معا، عامة بغياب فلسطيننا الغالية، وخاصة بغيابك، يا وهجا غاب عن حياة كل من عرفك واحبك .
فقد خضلت الدموع لحيتي،يوم عرفت بخبر وفاتك وانا اطالع احدى الصحف اليومية، حيث دهمتني صورة قديمة لمجموعة من نسوة واطفال فلسطينيين، باللون الابيض والاسود عشية النكسة قبل ٧٤ عاما، وهن يهممن بهم فرارا الى الى الله بغير زاد، يقطعون دروب الاشواك والجلجلة - كتلك التي قطعها بدروب القدس نبي الله عيسى عليه السلام، مرتديا تاج الأشواك، الذي البسه اياه اليهود- صوب الطرف الشرقي من نهر الاردن .
لم اتمالك نفسي من البكاء المر المرير حينها - اني ابكي لا بل ارثي فلسطين التاريخية ولو يعلموا ما انا بعالم من مكابدة الشوق الديني والدنيوي والجوى والنوى لوطن غيبته جحافل الاعوام تلوها الاعوام وغدرة الزمان منذ ٧٤ خريفا مرت على قيام دولة اسرائيل بقرار ظالم من عصبة الامم المتحدة فاعطى الحق من لا يملك لمن لا يستحق فضاع اجمل وطن وغادرت اجمل نسوة وابهى اطفال صوب جسر الاحزان .
اذكر ذات ذاك الحزن النبيل على فقدك العم الغالي ابا منهل، اني دخلت محرابي ومصلاي، واغلقت بابه علي نفسي وفتحت الجريدة، التي منعني اياها رب عملي حينها منذ اربعة اشهر – والله على ما اقول شهيد حتى لا اضيع دقيقة بعمل غير ذي جدوى، كما يعتقد عامله الله بعدله - على مصراعيها، وصوبت نظري على تفاصيل الصورة المرعبة، كلقطة موت بطئ، باحدى افلام الرعب للمخرج هيتشكوك، وتناثرت مني الدموع على المآقي، وانا اطالع السحنة البهية، لتلك النسوة والأطفال، وهن يحملن على ظهورهن سقط المتابع، بشوال قمح مربوط بخيط فيه، كل ما تبقى من قبية ودير ياسين، وكل الوطن الضائع العظيم .
اصدقكم القول، بأنني تعمدت الصوم الاختياري، منذ شهور طويلة خلين عن مطالعة الجرائد، والتي كان ابا منهل كمال الجزيرة رحمة الله يزودني بها صبيحة كل يوم، اثناء عملي حارسا شخصيا على باب عمارته في جبل عمان، كما اسلفت سابقا، ونتجاذب اطراف الحديث عن كثير من مواضيعه، وعن فلسطين التاريخية، وحتى انزال قوات الحلفاء في نورماندي، لمدة اكثر من ساعة كاملة، كان الخيمائي الذي تحدث عنه باولو كويلوذ وجعلني ابحث عن أسطورتي الشخصية، بصورة من الصور، وها انا اليوم ذاك الراعي الأندلسي، لا اكثر ولا اقل صديقي ابا منهل الغالي، رحمك الله .
قاطعت الجرايد ففاتني خبر رحيلك ابا منهل، ولم اتمكن من القيام بواجب العزاء، ولربما كانت هذه السطور تحمل شيئا من واجب العزاء للاحبة، منهل ومدين ومظهر وكمال وكل العائلة الكريمة ، وقاطعتها ربما حتى لا اموت كمدا وحزنا على هموم الامة الذبيحة، من بورما الى فلسطين، كما فعل زياد ابي غنيمة رحمه الله، ولكن سامح الله سائق القلاب ، قبل عدة سنوات، الذي جاملني بتلك الجريدة، فعاجلتني بخبر اجترار النكبة قبل ٧٤ خريفا، وبضياع فلسطين التاريخية، التي كانت تلخص حكايتها الحزينة، تلك الصورة الخالدة، من عمر الزمان، لذاك النفر الفارين الى الله، بغير زاد .
كانت ترقب تلك القافلة، عيون وقحة لجندي بريطاني، والعلج يرتدي الشورت الرسمي بلباسه العسكري، مراقبا تنفيذ الجريمة البشعة، التي حاكتها دولته لتسليم فلسطين، لقطعان الصهاينة، قبل ٧٤ هما وغما وحزنا يقطع الآباء، على شعب فتت وطنه، متوالية المؤمرات القذرة، حتى هطول دموعي على صحيفتي، وقد والله بللت جزأ منها .
كانت نياط قلبي تتقطع، على فتى هده الحزن النبيل، البادي على قسمات وجهه الطاهرة، لربما كان هو الخيميائي كمال الجزيرة، تعبر عن الاسى البالغ، والتوله والفقد لوطن ما من مرد اليه من سبيل، وهو يمسك بيد شقيقته الصغيرة، التي تفيض من عيناها كل براءة الأطفال، ومن حوله امهات ثكالى بلباسهن الريفي الفلاحي الابيض الفلسطيني الشريف الحر، ووالله ما رايت بحياتي، ذاك الجمال الإلهي، يتجلى بشرا الا بذاك النفر الفار الى الله بغير زاد .
جهشت بالبكاء، وانا ارى قسمات الفتى النبيل، وهي تحكي تفاصيل ما جرى في قبية ودير ياسين، وللامانة لم ارى في الصورة، اي رجل سواه والبقية نسوة وأطفال، كان بنظري اخر الرجال، واعز وانبل الرجال، يقود كوكبة من الانبياء والقديسين والاولياء - هكذا رأيتهم بعين قلبي – وكانت عيناه تشعان ببريق العودة، مما برد شيئا من جمر صدري، الذي بات يغلي كمرجل، وأيقنت ان الفتى لا بد عائد، فسكنت لواعج النفس وكفت العين عن البكاء، فقمت لصلاة الظهر والثار داعيا الله ان ارى الفارين الى الله بغير زاد عائدين على جسر الاحزان عينه للضفة الغربية من النهر .
وفي الختام بقي ان اذكر ان المفتاح هو رمز العودة لدى الفلسطينيين وانهم في كل خزانة بمخيمات بالشتات يحتفظوا بذاك المفتاح الجميل المصنوع من الكبرياء القومي الفلسطيني النبيل، ولابد يوما ان يدلفوا عتبة ابواب العودة رغم انف بريطانيا الاستعمارية، وامريكا وارثتها العتيدة، وقطعان يهود ومن لف لفيفهم ذات يوم حزين قضى، ففلسطين حق يأبى النسيان والسيف الالهي المسلول بيد ذاك الفتى لن يعود لغمده ابدا، رحمك الله صديقي الخيميائي كمال الجزيرة فقد آلمتني، كما فعلت بي نكبة فلسطين، وما عزائي بكما الا انني اعيش الان اسطورتي الشخصية، واتذكر كلمات الملك للراعي الاندلسي سانتياجو :- اذا رغبت في شئ فأن العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك .
ختاما الفاتحة لروحك الطاهرة كمال الجزيرة عاشق فلسطين للأبد.
Issamha71@gmail.com
واتساب 962785294904