مكرم أحمد الطراونة - ربما يرى البعض أن الإجابة عن السؤال الذي يحمله عنوان المقال لا تحتاج إلى تفكير أو تفسير، فالأردن بالنسبة إليهم لم يسر يوما بالاتجاه الصحيح ما دامت الحكومات تصر على سياسة إعلان النوايا بالأقوال بدون أن تتحول إلى فعل على أرض الواقع.
لا يمكن لوم هؤلاء فيما يتعلق برغبتهم في أن تنعكس الإستراتيجيات والشعارات إلى واقع، لكن أيضا لا يمكن أن نستمر بنفس عقلية التفكير هذه، خصوصا أن المؤشرات بدأت أكثر وضوحا بخصوص التغيير الذي يشهده البلد، وتحديدا فيما يتعلق بملفي التحديث السياسي، والتطوير الإداري، إلا إذا كنا نريد نتائج فورية وسريعة، وهذا لن يحدث حتى في أكثر الدول تقدما، فالفكرة ما تزال في مرحلة التكوين وتحتاج وفق الرؤية الموضوعة، إلى سنوات من العمل لتنضج ونجني ثمارها.
لا خيارات أمام الأردنيين، فإما الاستسلام للانطباع السائد وعدم الإيمان بالتحول الذي يحدث، وعندها تكون الخسائر كبيرة، لأنه وببساطة بدلا من أن نكون شركاء في تحقيق هذا المنجز، فإننا نلعب دور المحبِط والمثبِّط للهمم والسلبي الذي لا يرى ضوءا في نهاية النفق، والعدمي الذي لا يؤمن بأي شيء.
باختصار شديد، لا يمكن تحقيق حياة حزبية ناجحة بدون مشاركة شعبية واعية ومؤمنة بنية التطور الحاصل اليوم، كما لا يمكن إنجاز مشروع التطوير الإداري بدون تفاعل الناس معه.
هذا ينطبق، أيضا، على جميع المسؤولين الذين عليهم أن يدركوا أن المناصب ليست للحصول على ألقاب وسيارات حكومية وامتيازات، بل من أجل العمل على خدمة الناس والصالح العام. فاليوم لا مكان للمسؤول الساكن الخائف على كرسيّه، وإنما لمن ينجح بأن يكون أكثر ابتكارا وإبداعا. هذه المعادلة تحتاج إلى إدارة قوية قادرة على تطبيقها، وهذا الأمر ليس بصعب علينا.
الخيار الثاني يكون عبر منح مساحة جديدة للحكومات لتحقيق المطلوب، خصوصا أن مجمل عملية الإصلاح التي ستشمل الملف الاقتصادي أيضا، لم تعد مرتبطة بحكومة أو بشخص رئيس وزراء أو بوزير، فوفق ما نراه حتى الآن هي عملية عابرة للحكومات، التحديث السياسي لم ينطلق من نبض الحكومة وهو مستمر لسنوات طويلة.
التطوير الإداري، أيضا، ذاهب في ذات الاتجاه، وهو هدف واجب التحقيق رغم أنه سيحتاج الكثير من الوقت، والإرادة الحصيفة، والإيمان المطلق به، لكن لا يمكن قتل الفكرة قبل أن تبدأ.
استمعنا لعدد من وجهات النظر فيما يتعلق بمشروع التحديث السياسي، وكان هناك الكثير من الآراء المحبطة التي راهنت على فشله، لكننا اليوم نراه واقعا نمضي به وسنعيشه عما قريب. صحيح أنه كان بالإمكان الوصول إلى قوانين أكثر مثالية، بيد أن هناك حقائق لا بد من أخذها بجدية عند تقييم التجربة، وعلى رأسها أننا دولة لديها اعتبارات متعددة الأوجه.
التطوير الإداري، والتحديث السياسي، ومن بعده الإصلاح الاقتصادي، مشاريع لا بد من دعمها والسير فيها إلى النهاية، بعد خضوعها للتقييم، والوصول إلى قناعة مجتمعية أن هذا ما يستحقه الأردن في مئويته الثانية، فبديل ذلك البقاء عالقين في شباك الترهل والفشل والانهيار.
المراهنة اليوم على وعي الناس واندماجهم بهذا التحول، فالانصهار في العمل الحزبي لا شك سيسهم في الوصول إلى حياة برلمانية أكثر نضجا، وتعاون جميع الموظفين والمسؤولين مع فكرة التطوير الإداري أساس إنجاح التجربة. الأمر لا يتعلق فقط بإرادة الدولة بتحقيق ذلك وتوفير تشريعات مهمة في هذا الاتجاه، فالعملية برمتها تبدأ من الدولة ولا تنتهي عندها.
أستطيع أن ألمس أن مشروع التغيير بدأ بشكل أكثر تنظيما، وبرؤى عابرة للحكومات، وبإرادة لا شك أنها بحاجة إلى أدوات للتنفيذ. الدولة لا تملك ترف التجربة والعبث برغبات الناس عبر استراتيجيات إصلاحية نستمع إليها ولا نشعر بها. ما نحتاجه اليوم هو وضع العجلات على السكة، وأن نسير إلى الأمام. من دون ذلك ستكون الضريبة باهظة بلا شك.