زاد الاردن الاخباري -
نبيل عماري - من باب الطفولة نتذكر الشتاء فتسرح في طفولتك في يوم شتائي غزير المطر وصوت طقطقة المزاريب ومعاناة الذهاب للمدرسة في صباح يوم بارد وأنت تحمل شنطة وتلبس جزمة سوداء باردة وطاقية جلدية تمشي وأنت ترتجف من البرد تعبر الأزقة والزاوريب تغبص بالجلاطة حيث الأزقة لم تكن مزفتة حتى تصل المدرسة مشياً على الأقدام وأتذكر معاناة طفولتنا البسيطة وأجواء لمة العيلة حول الصوبة وروائح الشتاء القادمة من المطبخ من قالب الكيك إلى صنينة الهريسة بالسمن البلدي وكاسة شاي دافئة بالمريمية وطرطقات حبات قمح القلية وراحة وبسكوت وقصص الغولة ونص نصيص وجبينة من الجدة بينما الشتاء يزداد غزارة برق ورعود وراديو كبير نستمع لمسلسلات أذاعية من الزباء وسيف بن ذي يزن لا أدري كان الأستماع لمسلسلات الراديو تعطيك حرية في تأليف القصة من مخيلتك فيها جماليات أحلى من التلفاز تلك الذكريات الجميلة وفجر بارد ولحظات إرتجاف وأنت ذاهب بالعجنة لفرن الحارة تتمنى أن تصل مع العجنة للفرن حتى تشعر قليلاً بالدفا ورؤية رغيف الخبز الخارج من الفرن وهو يسبح الخالق في يوم شتائي جميل ، كان زماننا الشتائي الصباحي يتناغم مع مقدمة برنامج الزراعي مع المزارع وجوقات الترانيم الصباحية من أغاني سيد درويش البنت دي قامت تعجن ومحمد عبده في يانسيم الصباح وفيروز شتي يا دنيا شتي ثلج ثلج ....... ورجعت الشتوية / والياس عوالي يا إبن الأوطان وغناء المجموعة هاتي بروق هاتي رعود أشتي يا دنيا وزيدي والثلاثي المرح أسعد يوم يوم إلي تعارفنا وجمال الشمايلة هباتها هبوب شمالي برداها شيني ومن ثم برنامج البث المباشر في موسيقاه والتي صارت عرف لمعرفة أنه البث المباشر بينما تبدأ البرنامج بأغنية نجاح سلام في صبح الصباح صباح الخير ما أروع تلك الأيام عندما تبدأ هذه البراءة بالمدرسة وتباشير النهار رغم قسوة البرد نقف ونؤدي تحية العلم خافقاً بالمعالي والمنى عربي الظلال والسنا ورغم برودة الشتاء خارج وداخل الصف وعمل تمرين صباحي حتى نشعر لو قليلاً بالدفء والتجمد في الأرجل ويداك التي أصابهم التشقق من البرد مع ذلك كنا نملك الفرح ومع هذه الذكريات نقلب صورا قديمة جميلة عاشها جيلنا فلا باص يرسلك لمدرستك ولا رفاهية الصفوف المدفاءة ولا سندويشات بكافة أنواعها وحلوى متنوعة بل عروسة لبنة أو زيت وزعتر وحبة شوكلاطة مترو بقرش تشتريها من المقصف تعطيك بعض من الطاقة ..
في مدرستنا كل الطلبة تقريبا يأتون مشيا على الأقدام يحملون حقائبهم الثقيلة بكل الألم والتعب والإرهاق ويرجعون مشياَ ويتمنون الوصول للبيت حيث تنتظرهم طنجرة مرقة العدس بهبالها الدافىء وكذلك طنجرة الملفوف بعبقها الطارد للجوع حيث العائلة الكبيرة يتبادلون الطرائف وشيء من الألغاز وأحاديث السمر في ليل السهر وهدوء المكان وصدق المشاعر . وعندها تتعمق في الصورة القديمة الجميلة من الزمن الجميل التي تحاكي الذكريات صدى السنين الحاكي حسب أغنية يا جارة الوادي وتغالب دمعك وتذكر الوجوه التي كانت وعاشت ومرت في هذه الحياة منهم من ذهب لدار الحق ومنهم ما زال ونعود ونتذكر الأيام الجميلة يوم كانت البيوت تملك السكينة والطيبة والضحكة الخارجة من القلب ف البيت صغير والأكل بيتي فيه طيبة الأمهات وفرح الجدات والملابس بسيطة لكن النفوس جميلة حنونة يحملها الود والصدق ودفء العاطفة والمشاعر ونبل الروح وسمو الإحساس وعذوبة التعامل وبساطته وإنسانيته . .