من خلال ملاحظاتي المتكررة للحوارات التي تعقد بين مسؤولينا بشتى اشكالهم والتي تدار في كافة المواقع وعلى مسامع الجمهور بل مسامع العالم أجمع ، ، غالبا ما تتحول هذه الحوارات إلى حلقات تندر واستعراض لروح النكتة والكلمات الباهتة وتصيد لأخطاء فقط من أجل لفت النظر والتي تفسد الجلسات وهي في المحصلة لاتسمن ولا تغني من جوع .
صانعي القرار في بلادنا للأسف من نواب خاصة وغيرهم من المتصدرين لوسائل إعلامنا والكثير من ناشطي منصات التواصل الإجتماعي المختلفة والتي باتت تطغى على إعلام الدول الرسمي بقوة تأثيرها وانتشار مضمونها كانتشار النار في الهشيم ، غالبا ما يلجأون لمثل هذا الأسلوب الركيك مع اعتذاري الشديد أن كنت أقسو في الوصف لكنه الواقع الذي يلاحظه الجميع ونتعايش معه في كل تفاصيل حياتنا .
روح النكتة مطلوب أحيانا لكسر جمود الأحداث وتغيير المزاج العام ليصبح أكثر ليونة وترغيبا لمسامع المواطنين والقارئين والمتابعين ، لكن أن يكون دائما هو العنوان وكأننا فقط ندير حلقة سباقات من يكتشف اولا الكلمة الضائعة وبلديه القدرة على السخرية فهنا تكون الحكاية وهنا تتشكل الروايات .
نحن في وضع اقتصادي وفي حالة مجتمعية لاتقبل أن نكون دوما ساخرين ناقدين فقط من أجل استعراض شعبوي وحصد الإعجابات من قبل مجتمعات تنتظر حلولا وتسعى من أجل كلمات ومواقف تشفي غليلهم وتنتصر لحالهم بالجدية لا العبثية في الطرح وتشتيت المواقف ، هذا الأسلوب المتصدع نراه أصبح إطارا لأحاديثنا المتداولة في الجلسات الأسرية والجلسات المجتمعية والحوارات في مواقع مختلفة سواء إعلامية ام مدنية أوحزبية وحتى بين الفئات العمرية التي لاتزال لم تدرك من حقائق الحياة إلا النزر اليسير .
نحن في زمن لا يقبل التفتيت والتشكيك وانتزاع الثقة من كل ما يقال ومن كل الوعود التي تطرح من قبل الحكومات ومن كل ما ينطق به مسؤول فهذا اسلوب يحمل الكثير من معاني الهدم وتقويض الإرادة وانتزاع اسس الحماية وصنع التقدم في المجتمعات ،
أنا لا أجزم بأن ما يقال هو مختوم بالصدق التام الخالي من العيوب وممهور بالدقة وعدم احتواء الأخطاء ، لكن علاج ذلك لا يتأتى بمثل هذا النهج المهزوز ، فبناء الثقة حجر أساس مطلوب ولو بحده الأدنى من أجل أن نضعه إطارا معنويا لحواراتنا ولا نصنع العثرات والعقبات من أجل تقويضها دون طرح الحلول ،.
الثقة بين الحكومات المتتالية وبين المواطن لا تبشر بالخير فقد باتت متصدعة متهالكة ، واصبح حديث العامة لا يخلو من السخرية ورفض كل ما يطرح قبل أن يكون ، وأصبحنا في معظمنا لا نعير اهتماما لكل ما يقال لأن عدوى إفساد المواقف اصبحت هي المستشرية وأصبحت هي الاسلوب المتبع في استباق الأحداث ،.
مؤلم ما وصلنا ايه من اهتزاز في مصداقية كل شيء، ولا أظن أن ذلك جاء من عبث بل هو في غالبه مدروس وممنهج ومقصود من قبل مؤثرين لإفشال النوايا والمخرجات قبل أن ينطق بها وقبل أن تكون .
للأسف ليس هكذا تحاك السياسات ولا تصنع الأوطان فالثغرات لا تحل عقدها بالضحك والإستهتار ودس السم في الدسم ، رغم أن الكوميديا الهادفة هي إحدى وسائل النقد لكن ليست الكوميديا الهزلية الفارغة من كل مضمون .
هي تحتاج لوعي جمعي يبدأ من صفوف مدارسنا الأولى التي تعلم الإنتماء الصادق والنقد البناء وتنمية روح الإبتكار ،
علينا الكثير مما يجب عمله من خلال تعاون صريح وحوار واع من قبل ممثلي الشعب ومن قبل هذا الشعب الذي هو رديف وداعم أساسي في حلبة بناء الأوطان من خلال محاربة التقصير بشكل عقلاني لا بإطلاق النكات والضحك والتندر وإطلاق الأراجوزات .
الثقة الواعية والحوار البناء والتعاضد من اجل البناء لا الهدم المقصود هو طريق رفعتنا وسر إنجاح المقاصد وتمتين أسس المجتمعات التي تطمح إليه الشعوب وهو حق مشروع لكل مطالب العيش الكريم الذي يتطلب صدق النوايا وعماده الأساسي نقاء الضمائر والصدور وقبلها انتماء صادق لا يخون .