الفاجعة التي رافقت الإعلان عن نتائج الثانوية العامة لهذا العام يمكن قرأتها بصور وأشكال ومرام مختلفة. نتائج التحقيقات لكشف المتسبب في فضيحة نتائج الثانوية العامة قد لا تقدم أي جديد, وحتى وان كشفت المتلاعبين, واتخذت بحقهم اشد العقوبات, فلن تعيد الصورة الجميلة لامتحان الثانوية العامة في الأردن, لا بين الطلبة ولا أولياء الأمور ولا المعنيين بالشأن التربوي بشكل عام.
امتحان الثانوية العامة بشكل عام, يتعرض ومنذ فترة ليست بالقصيرة إلى هجمة شرسة تنادي بإعادة النظر في آلياته, لا بل وتنادي جهات كثيرة خاصة من غير المختصين والمؤهلين بإلغائه باعتباره مصدر قلق ورعب نفسي للطلبة وذويهم. امتحان الثانوية العامة يشكل العمود الفقري للنظام التربوي والتعليمي الأردني, ومن المهم إبقاءه بعيدا عن النوازع والرغبات والأهواء الذاتية, وتنزيهه عن المصالح الخاصة للطلبة وذويهم وربطه بالمصالح العليا الوطنية الأردنية. في كل دول العالم هناك امتحان يشبه امتحان الثانوية العامة في بلادنا, أو امتحانات مصيرية للطلبة يتحدد بناء على نتائجها مصير الطالب, ومساره الأكاديمي, والتخصصات التي يستطيع أن يدرسها في الجامعة لاحقا, أو المهن والأعمال التي قد يتوجه إليها الطالب ويمارسها في حياته.
ما حصل في نتائج امتحان الثانوية العامة لهذه الدورة سيفتح الباب على مصراعيه للمناداة والمطالبة من جديد بتعديل الامتحان والتذرع بأعذار كثيرة من اجل إلغاء الامتحان أو مسخه. امتحان الثانوية العامة ينبغي أن يبقى الأساس الذي نتمسك به, ونعتمد عليه إذا ما ارددنا أن نحافظ على مستقبلنا ومستقبل أردننا الغالي. صحيح أن امتحانات الثانوية العامة غالبا ما يرافقها قلق وخوف واضطرابات نفسية, ولكنه قلق طبيعي يرافق أي اختبار, و ينبغي أن يبقى ليكون دافعا ومحفزا للطلبة ليقدموا أفضل ما لديهم, وحتى لا يركنوا إلى القليل والسهل ويخلدوا إلى الراحة. ولعل من المفيد القول هنا, أن من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في أداء الطلبة للامتحان, وطبيعي أن يتفوق بعض الطلبة, وطبيعي أن يخفق بعض الطلبة أيضا, وطبيعي أن يشكوا بعض الطلبة من صعوبة مستوى الأسئلة, فيما يجدها البعض سهل وبسيط . الامتحان ينبغي أن لا يخضع للنقد والمساومة لان فئة محدودة من الطلبة تشكوا من صعوبة مستواه وتدني نتائجها فيه. لا أريد أن ابرر للفاجعة التي حدثت ورافقت الإعلان عن نتائج الثانوية العامة لهذا العام, فالمقصر والمسئول عما حدث يجب أن يحاسب حسابا شديدا, ولكن المشكلة ينبغي أن لا تضخم وتوظف في غير سياقها وظروفها, فما حدث لم يكن خلالا في التصحيح ولا في رصد العلامات كما أكد وزير التربية والتعليم ولكنه خطأ الكتروني تكنولوجي فني بحت قد يحدث في أي دولة في العالم, خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستوى الكفاءة التكنولوجية عند من يعمل في هذا القطاع في الأردن. أتمنى أن تمر هذه الفاجعة علينا بخير, وأن لا يستغل ما حدث ليكون القشة التي قد تقصم ظهر التوجيهي والنظام التربوي في الأردن إلى الأبد.