بسم الله الرحمن الرحيم
نواب للأمة أم نوائب على الأمة
منتصر بركات الزعبي
Montaser1956@hotmail.com
كنت أشاهد قبل أيام قليلة برنامجا في إحدى الفضائيات الأردنية , فسمعت حوارا مع نائبين من نواب الشعب , يتحدثان عن السياسة العامة في البلاد , وعن مضمون خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني - حفظه الله ورعاه - وكان حديثهما ينم على أنهما خارج التغطية , وليسا مَعْنييْن بما يجري من أحداث داخل الوطن أو خارجه , وما دام أن الذين يشتغلون بالسياسة في بلادنا على هذه الشاكلة , فكيف نتقدم ؟ وكيف نصبح كبقية الناس ؟ !
إن الوعي السياسي لدى هؤلاء وأمثالهم لم يكتمل بعد ولم يصل إلى مرحلة النضج فالحوار الهمجي الذي دار خلال البرنامج كان أشبه ما يكون بحوار الطرشان الذي إن دلّ على شيء فإنما يدل على عجز العقل السياسي لدى هؤلاء وأنهم هم من يضع العصي في دواليب الإصلاح السياسي , وهم من يرسّخ الدكتاتورية لإذلال الشعب ووأد أمانيه , وفي التحريض والتجييش ضده .
وحين يبلغ الأمر بالذين لا يعرفون مداخل السياسة وأوضاعها ومجرى الحوادث وظروفها أن يُسوّدوا من غير ثقافة سياسية تساعدهم , ولا تجربة تبصّرهم يكون ذلك دليل الفوضى والسذاجة في الوعي الاجتماعي .
إنهم يمنحون أنفسهم العصمة والوصاية, وأنهم لا يخطئون , من حيثُ يُمنَع على غيرهم الصواب , وليت الأمر عند هذا الحد , بل يتجاوزه إلى الاتهام في النوايا , والاتهام في الضمائر , والإتهام في السلوك , فكل من يخالفهم الرأي خائن , وغير مخلص , ليس عنده انتماء وولاء .
وهذا ليس سلوك شخص بمفرده , لنجد له مخرجاً ، ولكن عندما تتعدى هذه الظاهرة لتصيب مؤسسة برلمانية أو مجموعة من أعضائها فان الحيرة تعظم لتصل بنا إلى اعتبارها لغزا محيرا تتشعب وتتعقد معه سبل الفهم والتحليل وبما أن النائبين المحترمين ينتسبان إلى مجلس البصيّمة (111) الذي يمثل لغزا فريدا من نوعه يصعب حله فلربما هناك من يدرك خفايا وأسرار هذا اللغز في عمق حقيقته ليوفر علينا الجهد والوقت واكتفي هنا في توضيح هذا اللغز الذي يكمن في سياسات وسلوكيات مجلس النواب وأعضائه .
فمن يصدق بأن الشعب الأردني اليوم لديه نواب ينطقون باسمه , ويعتبرون كل من يطالب بالإصلاح والنهوض بالوطن أنهم عملاء ومندسون وإرهابيون ودخلاء ومنفذو أجندات خارجية ومدفوعون و مأجورون وأصحابُ فتنة ؟ !
من يصدق بأن الشعب الأردني اليوم لديه نواب ينطقون باسمه , وقد وقفوا في مواجهته وكبح جماحه , يتهددونه , ويتوعدونه , ويطالبون بقمعه , وكسر إرادته , واستخدام البلطجة ضده , لتطبيش رأسه , وتهشيم عظامه , والدعس على رقابه , وطرده إلى خارج الحدود إلى أفغانستان والصومال بل والى بلاد الواق الواق , وغيره الكثير مما يندى له جبين الكريم ويضيق به صدر الحليم .
هل الوطنية صراخاً وردحا ؟ هل الوطنية حمّى ؟ هل الوطنية شعارات ؟ هل الوطنية قول من غير فعل ؟ أقول : لا وألف لا .
الوطنية إيمان , والإيمان معرفة , والمعرفة فهم .
إنهم وبكل صراحة يمارسون البلطجة السياسية والنفسيّة , ففقدوا كل فرصة للقبول أو التجاوز عن هفواتهم , فقدوا كل مصداقية بعصبيتهم وتملُقِهم , وافتعالهم الغضب وفقدان السيطرة , وغياب الحكمة والاتزان ,والكياسة فالهوة بين المواطنين ومجلس النواب في اتساع مستمر .. ومع استمرار التردي في الأداء يصعب ردم هذه الهوة وجسرها مع خيبة الأمل , مما يضع مؤسستنا البرلمانية في إرباك وفقدان لفلسفة النيابة ودورها التشريعي والرقابي وهذا لا يسهم في دعم الدولة واستقرارها .
إنهم يترنحون ويتراقصون رقصة الحبشي الذبيح وكأنّي بإبراهيم طوقان بيننا يجسد هذا المشهد ويصفه قائلاً :
برقت له مسنونة تتلهب أمضى من القدر المتاح واغلب
حزّت فلا حد الحديد مخضّب بدم ولا نحر الذبيح مخضب
وجرى يصيح مصفّقاً حينا فلا بصر يزوغ ولا خطى تتنكب
حتى غلت بي ريبة فسألتهم خان السلاح أم المنية تكذب
قالوا حلاوة روحه رقصت به فأجبتهم ما كل رقص يطرب
أعذابه يُدعى حلاوة روحه كم منطق فيه الحقيقة تقلب
ويأتي هذا بعد نعي جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله لمجلس النواب في خطابه السبت 12/6/2011 عندما قال : نضمن إنجاز قانون انتخاب عصري يقود إلى مجلس نواب يكون ممثلا لجميع الأردنيين، وموضع ثقتهم في الحفاظ على حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم وينبغي لهذا القانون أن يضمن النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية وبرامج هذه الأحزاب ويضمن آلية تقود إلى برلمان بتمثيل حزبي فاعل، مما يسمح في المستقبل بتشكيل حكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية.
وبعد هذا النعي لن نصاب – نحن الشعب الاردني - بحالة من الحزن لأننا سنفقده في سن عطائه وعز شبابه , ولن نشارك في تأبينه ولا حتى في زيارة بيت العزاء - معذرة يا برلماننا الأردني – لن يغضبنا لو آن إعلان نعي البرلمان قد ذُكِر من ضمن حسناته وانه قضى سنوات عمره في أعمال البر والتقوى وسوف نعتبر ذلك نكتة سمجة تحملنا مثلها الكثير لان جميع موتانا اعتبارا من السماسرة والحرامية وانتهاء بالخونة كلهم بدون استثناء قضوا أعمارهم المديدة في أعمال البر والتقوى وبالتالي فان برلماننا العتيد والذي يرى أعضاؤه أن الوقت غير ملائم لحله رغم عجزه عن اتخاذ أية إجراءات لما يتعرض له الوطن من أخطار جسام تتهدده وليس ضد الهند أو الصين .
النكتة أو الكذبة في التاريخ لا تستحق فعلاً أن تبقى على قيد الحياة , وبالتالي فإن غيابها هو اصدق ألف مرة من بقائها على قيد الحياة , وبالتالي فإن موتها أفضل ألف مرة من استمرارها , ونسيان مواقفه هو العزاء لكل منا عن ممارسته التي لم تسهم إلا في زيادة تغول الحكومة واستقوائها على الشعب .
عظم الله أجركم وشكر الله سعيكم وجبر مصابكم وأجزل عزاءكم ف [ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة .
وفي الختام أقول لملكنا المفدى جزاك الله عنا خير ما جُزى ملكاً عن أمته .