زاد الاردن الاخباري -
بسام بدارين - «خاتمة الأحزاب» بدلاً من «خاتمة الأحزان». تلك التقاطة لعبارة لاذعة حققت معدلات انتباه وتداول كبيرة بقلم الكاتب الأردني الساخر أحمد الزعبي.
السياق العام في المشهد السياسي الأردني هذه الأيام هو حصرياً ذلك المرتبط باستمرار محاولات فهم فوضى تشكل مبادرات الأحزاب السياسية وبشكل لافت للنظر وبالتركيز على الأسماء وليس على البرامج، والأهم قبل إقرار قانون الأحزاب الجديد.
يشكك رأي نقدي بدستورية قبول أو رفض ترخيص الأحزاب الجديدة التي تكاثرت فجأة، حيث يبدو أن 18 طلباً لترخيص أحزاب تزاحمت على طاولة اللجنة المختصة والمعنية بالترخيص في وزارة التنمية السياسية، مع أن سجل ترخيص الأحزاب وبموجب تعديل دستوري تقرر مؤخراً ولم يبق عليه إلا المصادقة الملكية، انتقل إلى الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات ولم يعد قانونياً تابعاً لوزارة التنمية السياسية.
لافت جداً للنظر امتناع وزير التنمية السياسية النشط وأكبر خبراء الحكومة في الملف الحزبي المهندس موسى المعايطة، عن التعليق. لافت أكثر للنظر مستوى التساؤلات والاشتباك الذي يوحي بـ»حمى» التوسع بالإعلان عن مبادرات حزبية في توقيت ضيق وبمسار غير منتظم، فيما يسأل مراقبون وخبراء سياسيون ليس عن طبيعة هذه الفوضى أو صناعتها، وليس عن حمى التشكيل الحزبي التي لامست فجأة مئات النخب، لكن عن النتائج المرجوة والمتوقعة، وفقاً لتعبير الخبير والقيادي الشاب في الحركة الإسلامية الدكتور رامي العياصرة.
الحديث يزحف أكثر عن مبادرات لتشكيل 18 حزباً دفعة واحدة، والعبارة الساخرة بقلم الكاتب الزعبي تختصر المشهد إلى حد كبير، وثمة سجالات عبر المواقع والمنصات وفي الصالونات تسببت بضجيج، خصوصاً أن أهم تلك المبادرات الحزبية، ذلك المسمى بحزب الميثاق تحت التأسيس مشكل حتى الآن من وزراء ونواب وأعيان سابقين وحاليين، بدأ يرد ويشتبك ويتصرف نافياً سلسلة الاتهامات التي يروج لها كثيرون مسبقاً.
صمت أو امتناع الوزارة المختصة عن التعليق يوازيه أيضاً صمت الحركة الإسلامية، مع أن حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو أكبر أحزاب المعارضة، شكك مسبقاً -في بيان إعلامي- بأن يؤدي الحرص على تصنيع تجارب حزبية إلى نتائج معقولة، معتبراً وباسم مكتبه التنفيذي، بأن الأحزاب لا تنمو وسط التضييق الأمني.
«صدى» حمى تشكيل الأحزاب يمكن التقاطه في كثير من المحطات الأردنية أو بينها، ويبدو واضحاً أن القصر الملكي أيضاً لديه ملاحظات؛ فقد التقى الملك عبد الله الثاني شخصياً، ظهر الاثنين، نخبة من النشطاء الشباب وصدرت في الاجتماع كلمة مرجعية فيها رسالة لا بد من التوقف عندها، وعلى أساس أن المطلوب هو أحزاب برامج وليست أحزاب أشخاص.
ما نقل عن الخطاب الملكي هنا يتحدث عن الحاجة إلى برامج حزبية لديها خطط في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وتلك رسالة يمكن ضمناً فهم أنها تشكل ملاحظة أولية على حمى تشكيل الأحزاب التي توسعت مؤخراً وارتبطت بالأسماء وليس بالبرامج، حيث جبهة نشطة من نواب سابقين وحاليين وطامحين بالانتخابات، ومن شخصيات وزارية بدأت تسعى لقصب السبق وتنظم اجتماعات؛ وحيث استقطاب مضاد وضار سياسياً، في رأي السياسي النشط مروان الفاعوري، الذي قد يؤدي إلى تراكم طموحات شخصية أكثر من تقديم حلول ومعالجات برامجية تحتاجها المصلحة الوطنية؛ وحيث -وهذا الأهم- نشاط غريب وغامض على جبهة وزراء سابقين وموظفين بيروقراطيين في إطار ذلك الصنف من الاستقطاب، فيما الأحزاب العريقة القديمة تكتفي بالانتظار على محطة المراقبة فقط للمشهد.
وفيما الشارع والرأي العام يراقبان أيضاً بتحفظ تداعيات تلك الهجمة غير المفهومة في إطلاق تجارب ومشاريع حزبية قبل أوانها، وحتى دون برامج أو أدبيات يمكن الرهان عليها. ويعني ذلك أن النشاط المبكر في هذا السياق يبدو أنه لا يلتقط ما هو جوهري في الرسالة المرجعية، وحتى في وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد، حيث تركيز شديد طوال الوقت وفي الخطاب الملكي تحديداً على مسألتين أساسيتين، هما: البرامج الحزبية بعيداً عن الأسماء، وتمكين المرأة والشباب.
لكن الاتجاه العكسي في مسار مضاد حتى اللحظة على الأقل، ومشاهدة ورصد أسماء مسؤولين وموظفين سابقين كانوا دوماً بالعادة ضد العمل الحزبي وراء محاولات تفريخ تجارب حزبية جديدة، مشهد بدأ يثير الامتعاض وأحياناً سخرية الناس عموماً.
وهو أمر يمكن التقاطه ببساطة عند مراقبة منصات التواصل الاجتماعي الأردنية بصرف النظر عن الاسترسال، بدلاً من الحديث عن الحسابات الوهمية التي تربطها الحكومة بمحاولات تشويه الدولة والمسيرة والمنجزات.
ثمة خلل واضح وملموس لا تتدخل دولة للحد منه وتقليصه في ترتيب أوراق المرحلة التي تسبق تشريعات المنظومة السياسية، حتى أن تهمة «الهندسة» عادت لتلطم مجدداً جدار السلطة والموقف الرسمي، خصوصاً أن الإطار المرجعي اليوم وليس الإطار المناكف أو الشعبوي هو الذي يلاحظ أو يسجل علناً ملاحظة عميقة تحاول التذكير بأن المطلوب هو أحزاب برامج لا أحزاب أشخاص.
«القدس العربي»