أول الألغام التي واجهها الفريق الاقتصادي الحالي هو الموازنة العامة التي بنتها الحكومة السابقة على فرضيات وشروط تضع الحكومة الحالية في مواجهة مباشرة مع المواطنين، وتحديداً في زيادة الضرائب ورفع الدعم عن سلع أساسية، وتحجيم غير موضوعي للإنفاق العام لعدد من المؤسسات الحيوية والرئيسة لا يكفي حتى الحدّ الأدنى للعاملين والمستفيدين، مع تعليق الأمل على وصول مساعدات خارجية لم تأتِ!.
على الرغم من ذلك، ومع الأخذ بهذه الفرضيات القاسية على المواطنين، فإنّ عجز الموازنة يتجاوز البليون دينار، فكيف ستكون الحال إذا لم تأخذ الحكومة بهذه الفرضيات، ولم ترفع الدعم عن تلك السلع، ولم تزد الضرائب، وردّت الحدّ الأدنى للوزارات والمؤسسات الأقل حظّاً، فذلك مرشح أن يرفع العجز إلى بليون وخمسمائة مليون دينار!
ذلك ليس لتبرير أو تمرير أي سياسات تزيد العبء على الطبقتين الوسطى والفقيرة، اللتين تعانيان أصلاً من ضغوط شديدة وعدم قدرة على التكيف مع الشروط الحالية القاسية، إذ إنّ أي تفكير بزيادة العبء الاقتصادي على المواطنين ليس خياراً حكيماً، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وأمنياً.
التوضيح (هنا) ضروري، لمعرفة حجم الأزمة الاقتصادية وخطورتها ومحدودية الخيارات التي يقع فيها الفريق الاقتصادي الحالي، الذي نثق به تماماً، وبنزاهته، على خلاف المرحلة السابقة، التي شهدت تسيّباً في المال العام وجمعاً بين العمل الحكومي والخاص، وحالة غير صحّية على الإطلاق.
نافورة المساعدات التي انفتحت خلال السنوات السابقة، والتحسّنات الملحوظة في النمو الاقتصادي إلى ما قبل العام الماضي والوعود الهائلة بالاستثمارات والبلايين وآلاف فرص العمل جميعها تبخرت، وفتّح المواطن عينيه (في نهاية اليوم) ليجد أنه أمام مديونية وعجز كبيرين!
مع ذلك، فإنّ لجوء الفريق الاقتصادي الحالي إلى جيوب المواطنين وأساسيات حياتهم خطّ أحمر. وهناك تأكيدات من مصادر جيّدة أنّ الحكومة ستتجنّب خيار رفع الدعم عن اسطوانة الغاز (على الرغم من اعتماد فرضيات الموازنة عليها) ورفع أسعار الكهرباء، لأنّ ذلك يمسّ الأمن اليومي للمواطنين.
الوضع صعب جداً، ومقلق، ويتطلب تفكيراً استثنائياً، وأن يتجاوز تفكير الفريق الاقتصادي سياسة "إطفاء الحرائق" إلى تقديم رؤية مستقبلية واضحة.
لا يقبل بحال من الأحوال أن يتم التعامل مع المرحلة المقبلة ورفع الضرائب والدعم عن السلع بسياسة التمرير والتسريب والألغاز، فمن حق المواطنين والرأي العام والنخب السياسية أن يكونوا أمام صورة واضحة ومحددة للوضع الحالي والاحتمالات والخيارات، الجيّدة والسيئة، ومن سيدفع الثمن، وإلاّ فإنّ الفريق الاقتصادي الحالي سيدفع الثمن من سمعته ومصداقيته وثقة الناس به!