زاد الاردن الاخباري -
طارق ديلواني - على نحو غير مألوف، ازدحمت الساحة السياسية في الأردن بدعوات متتالية للانخراط في الأحزاب، فيما تسابقت عدة شخصيات نخبوية ووازنة وقريبة من النظام السياسي، للإعلان عن تشكيل أحزاب سياسية جديدة خلال عدة أيام، في مؤشر واضح على دخول المملكة في مزاج إصلاحي سياسي كبير، عنوانه السعي لتشكيل أول حكومة حزبية في البلاد، وكسر هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على الشارع لسنوات طويلة، وقطع الطريق على سيطرتها الحزبية في بلد لا يزيد عدد المنتمين فيه تحت لواء العمل الحزبي على 35 ألف شخص فقط.
ورغم مرور أكثر من عقدين على التحول الديمقراطي في البلاد، تحديداً عام 1989، وفي وقت بلغ فيه عدد الأحزاب الأردنية المرخصة 53 حزباً، إضافة إلى 17 حزباً تنتظر دورها بالترخيص، لا يزال إقبال الأردنيين على العمل الحزبي متواضعاً، لأسباب عديدة، من بينها ضعف البرامج والأفكار، وعدم قدرتها على إقناع الشارع الأردني، فضلاً عن غياب الحلول للمشكلات الأساسية في البلاد كتراجع الاقتصاد.
أحزاب برامج لا أشخاص
الحراك الحزبي النشط والضبابي، جاء بموازاة تصريحات للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال لقائه عدداً من الشباب الأردني، قال فيها إنه "يطمح إلى أحزاب قائمة على البرامج لا على الأشخاص". مطمئناً المترددين بتوفير الحماية لمشاركتهم في الحياة السياسية، خلافاً لسنوات سابقة كان يجري التضييق فيها على المنتمين إلى الأحزاب.
ودعا الملك عبد الله، الشباب الأردني للمشاركة السياسية، والانخراط في أحزاب تستند إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، يكون فيها للشباب صوت قوي. مؤكداً أنه لا يوجد أي خوف من التقدم بالإصلاح السياسي، لأن الهدف هو التكامل بين مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري.
يشار هنا إلى ما تضمنته مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية من تركيز على دور الشباب، لجهة إعطائهم حصة مهمة في الأحزاب، وتخفيض سن الترشح لمجلس النواب إلى 25 عاماً. ويُفترض أن تبدأ، الأسبوع المقبل، تحت قبة البرلمان مناقشة التعديلات الجوهرية الجديدة على قانوني الأحزاب والانتخابات.
حكومات منزوعة الدسم
يقول الكاتب أحمد الحسبان، في معرض تعليقه على "هبّة" تشكيل الأحزاب وتشجيع الحياة الحزبية بعد سنوات من محاربتها وتعطيلها، "لا شيء يحدث بالصدفة في الأردن، بخاصة حينما يتعلق الأمر بالشؤون المفصلية والسياسات العليا، فكل القضايا المتعلقة بمستقبل الدولة محسوبة بميزان دقيق".
ويفسر الحسبان التحشيد الرسمي ودفع المواطنين، بخاصة الشباب للانتساب إلى الأحزاب السياسية، بـ"الرغبة في تنفيذ مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية".
لكن الملفت، وفق الحسبان، أن هدف تشكيل حكومات حزبية "لا يتسق مع التعديلات الدستورية التي سحبت مزيداً من الصلاحيات الحكومية التي يفترض أنها صاحبة الولاية العامة، ما يعني أن أي حكومة حزبية مقبلة ستكون منزوعة الدسم، وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية".
ويصف الحسبان، الأحزاب الأردنية بأنها "كرتونية". ويتحدث عن عملية مبرمجة منذ فترة طويلة، لـ"خلق أحزاب معارضة برعاية رسمية لتحل مكان العشائرية السياسية".
شرعية الشارع
وتسارعت حمى تشكيل الأحزاب على نحو غير مسبوق في الأردن، إذ ينتظر 17 حزباً جديداً الحصول على الترخيص، لدخول معركة التعددية الحزبية الجديدة في البلاد، التي يُفترض أن تؤدي لتشكيل أول حكومة حزبية برلمانية.
لكن ذلك قوبل بتهكم شعبي، وتشكيك نخبوي بمعظم هذه الأحزاب التي لا تملك برامج حقيقية، وتعتمد على أشخاص وأسماء بارزة، كما هو الحال في حزب "الميثاق الوطني"، الذي ولد حديثاً من رحم تكتل غالبيته الساحقة من نواب وأعيان ووزراء سابقين وحاليين.
في موازاة ذلك، ردت جماعة الإخوان المسلمين على هذا الحراك بقلق بالغ، إذ اعتبر الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، مراد العضايلة، بأنه "لا حياة حزبية في ظل استمرار نهج التضييق الأمني". واصفاً ما يجري بأنه "محاولة رسمية لهندسة الانتخابات المقبلة".
ولاحقاً، أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي تعليق مشاركته في انتخابات مجالس البلديات والمحافظات لعام 2022، نظراً لما اعتبره الحزب "تراكماً للممارسات السلبية من قِبل الجانب الرسمي، واستمرار نهج الإقصاء والتضييق، والاستهداف السياسي بما يقوض البيئة المناسبة للمشاركة السياسية".
لكن، رئيس التحرير السابق لصحيفة "الدستور" اليومية محمد التل، يرى أن أبرز أعضاء الأحزاب الجديدة التي جرى تشكيلها هم من "أبناء السيستم الرسمي، ويدورون في فلك الحكومات، ولا يملكون القواعد الشعبية التي تؤهلهم، لأن يكونوا قادة مؤثرين على الساحة الوطنية، ما يعزز فرضية تشكيلهم للأحزاب للحفاظ على مكتسباتهم الشخصية".
ويعتقد التل أن الحزب الحقيقي المؤثر هو ذلك الذي "يخرج من رحم الناس ومعاناتهم، ويخاطب أحلامهم وطموحاتهم، وتكون قياداته من صفوفهم، أما تلك الأحزاب التي تأتي من الطوابق العليا البعيدة عن الناس فعادة ما تفشل وتذوب نتيجة عدم امتلاكها شرعية الشارع".
حراك إيجابي
من جهتها، ترى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، إن هناك "حراكاً إيجابياً" لتشكيل أحزاب جديدة، خصوصاً بعد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المنتهية أعمالها.
ووفقاً لأمين عام الوزارة علي الخوالدة، تقدمت مجموعة من الأحزاب بطلب للتسجيل والترخيص. مشيراً إلى تخصيص 41 مقعداً على الأقل للأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ولفت الخوالدة إلى أن المطلوب من الأحزاب، بحسب القانون الجديد، أن يجري تشكيلها بنسبة 20 في المئة من الشباب، و20 في المئة من النساء، ومن 6 محافظات، ما يعني أن شكل البرلمان المقبل سيكون مختلفاً.
"انديبنت عربية"