دوما اعود وأكتب حول هذه الظاهرة المستفزة والمستشرية في مجتمعاتنا بشكل لافت وأقصد بها المجتمعات التي لم تنضج بعد في موضوع تقييم الآخر وإنجازاته وفي اعتماد النظرة الإيجابية المعززة لأي إبداع وتقدم يحققه أي فرد أو مؤسسه في هذا الوطن والسعي دوما إلى سياسات الإحباط والحط من قدرات أيًا كان ليس لشيء سوى لإشباع ذاك الشعور الناقص الذي يعاني منه هؤلاء المشككون .
نتحدث كثيرا في كافة حواراتنا وبرامجنا وتوجهاتنا عن دعم المبدعين والأخذ بيأدهم نحو المزيد من العطاء وتمكينهم من فتح آفاق جديدة في مجالات إبداعاتهم وتميزهم وبأننا سنسصفق لهم وسندعم هذا التميز بالغالي والنفيس وتتحدث عنهم وسائل الإعلام وتهلل ، لكن على أرض الواقع نجد العكس تماما فالكل يصبح خبيرا محللا ومنتقدا والغالبية تلتزم الصمت وكأنها لم تسمع شيئا ، والعازفون على وتر التفرد والفهم الإستعلائي يبدأون باستعراض مهاراتهم في الإنتقاص وهدم كل إرادة وطموح .
وانا هنا لا أمارس نفس الدور في الإنتقاد والتشريح بالحديث عن هؤلاء المحبطين بل اتحدث كأم وكإنسانة هي إبنك هذا المجتمع ومطلعة على كثير مما يدور حولها وأقرأ ردود الأفعال التي تطرح حول كل موضوع يثار او رأي يقال أو تحليل يتم تناوله على مستوا فردي أو مؤسسي ، وأتابع تلك التعليقات التي تشرح ذاك الشخص او تلك الفكرة بأسلوب ساخر لا يمت للعلمية بشيء ، بل هي فقط تهدف إلى التندر وإثارة الشكوك والتقليل من شأن صاحب الفكرة وتركه هدفا للمستهزئين .
في المقابل لا أنكر بأن هناك لدينا أفرادا ومؤسسات هم من الداعمين المؤيدين الرافدين بإيجابية لكل تفرد وفكرة مطورة ولكل إنسان لديه قدرة على التميز لكنهم للأسف لا يلعبون ذاك الدور المرجو بل نجدهم يتناثرون ويتلاشون في خضم الأكثرية السلبية التي تطغى على المشهد وتتركه عرضة للتشتت والإختفاءد والذوبان .
هؤلاء من نسميهم بقوى الشد العكسي المتمترسين حول قناعاتهم الباهتة المتواجدين في كل مكان الناعقين بأصوات خافتة في غياهب الليل ، لا يروق لهم أي تقدم او تغيير أو طرح بناء لأنهم بالتأكيد هم من أنصار الهيمنة والضغط على الأعصاب ليس لشيء فقط من أجل إضعاف كل روح تحاول أن تقوى على السلبية أو تبحث عن بقعة ضوء لتنير من خلالها نفق الظلمة وتنهي كل عتمة تؤخر التقدم والسير نحو الأمام واللحاق بركب التطور والفلاح .
محزن هذا الواقع ومؤلم حد النفور ، فالمأساة تكمن في أن الغالبية البسيطة تسير خلف هؤلاء الملوحون دوما بشعاراتهم الرنانة المعجونة بعاطفة مزيفة لجذب النفوس والعقول في التجييش ضد كل فكرة جديدة ترعب حواسهم ، فنجدهم ينتصرون بزيف أقوالهم وادعاءاتهم ويقتلون كل فكر حر جميل يخرج عن تلك النمطية الموهومة والتي تظن أنها هي سيدة الحلول وأن طرحها دوما هو الذي لا يخيب .
ونحن من نؤمن بكل إبداع وفكر نير وبكل توجه شبابي ذو رؤية ثاقبة وبكل من يسعى لرفع راية التقدم والسير نحو الأمام نقول لكم رغم محدودية أرقام من يقفون خلفكم فلا بد من يوم آت للإنتصار وتحقيق الأماني وذلك فقط بتمسككم بأفكاركم الإبداعية وعدم الهروب والتراجع والإستسلام ، فمهما تفاقم فكر المحبطين لا بد من نهاية لهذا المصير .