كان يوماً جديداً و مباركاً لأبنائنا الأعزاء طلبة الثانوية العامة .. نقشوه بالجدِّ والاجتهاد.. وزيّنوه بالفرح والسعادة .. فكان عرساً وطنيا. . نحتفلُ به على شرفهم كل عام.. هذا الامتحان .. الذي أصرت وزارة التربية والتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً وسيادياً ... تكافح من اجل رُقِيِّه وتطويرِه .. ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ .. أو بوابة للمجهول.. بل ضماناً للمستقبل.
فبعد مخاض مرهق انفض مولد الثانوية العامة الذي يتكرر كل عام .. وأعلنت نتائج الدورة الشتوية لشهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2010م.. في وقت استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات في الطريق الصحيح نحو نظرة تربوية تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى تخرج بالصورة المأمولة لها .. وبمساع حثيثة ومباركة من طواقم التصحيح والفرز والرصد .. وعلى رأسهم السيد حسني الشريف .. رجل المهمات الصعبة .. وعميد إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم .. القادر على التعاطي مع آليات نتائج الثانوية العامة بكل همة ومسؤولية وبعزم وتصميم منقطع النظير .
وبغض النظر عن التبعات المؤلمة التي سادت ورافقت ظهور النتائج من أخطاء فلن بثنينا ذلك عن فرحتنا بأبنائنا الناجحين..فلن أقف موقف المدافع عن وزارتنا العتيدة – وزارة التربية والتعليم – ولكن كلي ثقة ويقين أن النتائج خرجت من لدن إدارة الامتحانات من أيدٍ نظيفة عفيفة دون أيه أخطاء أو أيه إرباكات .
فالزملاء العاملون في إدارة الامتحانات هم ذاتهم القائمون سنويا على استخراج تلك النتائج وبنفس الآلية والهمة والنشاط فلم يكن هناك أي مجالٍ لأي خطأ أو لغط .. ولكن ما الذي حصل ؟؟ .. فتلك الإدارة مشهود لها بالمصداقية والعمل الجاد والدؤوب رفعة وحرصا على مصداقية النتائج ..
فالخطأ وكما فهمنا .. خطأ فني يعود إلى طريقة دمج الملفات وخاصة ملفات طلبة الدراسة الخاصة الذين لهم آلية منهجية جديدة.. مختلفة عن آلية عمل الطلبة النظاميين .. وفق خطوات العمل التي أقرتها الوزارة ولأول مرة .. فعند دمج الملفات بعد إصدارها من إدارة الامتحانات اعتمدت آلية دمج الملفات المعتمدة وفق خطوات العمل القديمة دون أي تحديث ودون الأخذ بعين الاعتبار أن الطلبة المعيدين أو غير النظاميين لهم آلية مختلفة تم إقرارها وبالتالي فهي بحاجة إلى تحديث لقواعد بياناتها .. فخرجت على صورة مغايرة لحقيقتها .. وبصورة أربكت صفوف المجتمع الطلابي الأردني والأهالي .. الذين ينتظرون نتائج أبنائهم بفارغ الصبر .. مما أدى إلى وجود حالة من عدم الثقة والإرباك تجاه مؤسسات عريقة لها مصداقيتها كوزارة التربية والتعليم .. فمن أجحف ابنه في الامتحان وأخفق حمّل الوزارة وزر ذلك .. وهذا بالطبع يوحي بدلالات عميقة تندرج في باب ممارسات البعض في استغلال المواقف مما لا يصب في مصلحة الوطن والمواطن... فالعاطفة هي المسيطرة في التعامل مع قضية قد يعتبرها البعض تقرير مصير .. ولكن دعونا من تلك العاطفة ولتأخذ الأمور بمزيد من التعقل والتمعن والتريث فلن يفلت من كان السبب من المحاسبة .. فنحن في هذا البلد الطيب تعودنا على المصداقية والشفافية فالطلاب طلبتنا وأبناؤنا وأحبتنا ونحن أهلهم ومعلميهم جميعا بل نحن الحريصون عليهم وعلى مستقبلهم فكلنا أمل أن زوبعة الفنجان هذه قد انتهت وتداركت .. لنتعلم من أخطائنا في المستقبل ولتكن عبرة لنا جميعا نحو مزيد من الحرص والتأني والرصانة
ولكن .. دعونا نقرأ بعضا من الأمور التي يجب أن نراجعها بشفافية وصراحة وبمزيد من التفكير والمسؤولية .. لنكشف عن كثير من الإشكالات التي كانت السبب في تدني نسب تحصيل الطلاب في بعض المواد والتي اعترضت وتعترض العملية التعليمية .. فقد كشفت في نفس الوقت عن جوانب من الخلل ونقاط ضعف يجب التعاطي معها بجدية ومسؤولية.. فالمشكلة ليست مجرد إشكالية بسيطة وتذهب أدراج الرياح .. فمن الممكن أن تعود في السنوات المقبلة وبنفس الوتيرة ولن تنتهي بمجرد إعلان النتائج ويذهب كل منا في طريقه وينشغل بقضايا أخرى وننسى واقعا لا بد من تأمله بكل جرأة وموضوعية..
لا نريد أن نتحدث عن نسب الرسوب وعدد الذين شملتهم تلك النسبة .. بل أن هناك سؤالاً يدور في خلد كل متتبع لنتائج امتحان الثانوية العامة وهو : لماذا يخفق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ فهي كثيرة تلك المدارس التي لم يحالف طلابها الحظ وأخفقوا جميعاً .. وكثيرة هي المدارس التي لم ينجح من طلابها سوى القليل لتكون نسبة الرسوب فيها أكثر من 90% وهي نسبة مرعبة حقاً تدفعنا نحو التساؤل أين هو الخلل ؟
هل نلوم الطالب ونحمله المسؤولية عن هذا الفشل الذريع بمفرده ؟ وهل من المعقول أن يكون حال كل الطلاب في تلك المدرسة هو الفشل؟ سؤال تصعب إجابته .؟ أم يحتمل أكثر من إجابة !! أم من الضرورة بمكان تعقب الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات بصورتها العامة المتمثلة في نسبة الرسوب وفي نسبة المعدلات المتدنية التي لا توصل الطالب إلى أي طريق فيه الأمان نحو مستقبل واعد واضح المعالم .. بل سيبقى ذلك الطالب ( المسكين ) يتخبط في دوامة الإحباط نادباً حظه (ماقتاً) نفسه راسما طريقا سوداويا لمستقبل مجهول ..
هل نتجرأ ونعترف أن هناك خلل واضح ومستشري في مدارسنا ؟ فأنا أعلم تماماً .. بل أعي تماماً .. أن مدارسنا قد جرى الإنفاق على ديمومتها وتوفير المستلزمات اللازمة لها ما يشبه المستحيل .. وصولاً إلى توفر الكوادر التدريسية المختصة لكل مادة .. أم نقول أنَ هذا الأمر بات مشكوك فيه بعد هذه النتيجة..
دعونا نسأل : ما هو موقف معلم المادة الذي أرهقته المدرسة والدروس الخصوصية عند علمه أن جميع طلبته دون استثناء لم يفلح منهم أحدا ؟ بل كيف هو موقف مدير المدرسة والهيئات التدريسية وحتى مديريات التربية وعلى رأسهم الإشراف التربوي من ذلك ؟
أنا أعتقد أن المدرسة الراكدة والتي نسبة النجاح بها لم تتجاوز ال صفر % في الثانوية العامة لا بد من إعادة النظر في وضعها ومراجعة حساباتنا معها ولكوادرها الإدارية والتدريسية فهي ثانوية محسوبة على البلاد والعباد..لتخرج أفرادا فاعلين في مجتمع نسعى إلى رقيه وتطوره .. فليس من الممكن أن يصدق أحداً أن جميع طلاب تلك المدرسة هم أغبياء لا يفهمون شيئاً دون استثناء بل إن مصطلح ( الغباء ) ليس موجودا في قواميس التربية والتعليم وأدبياتها فمن المؤلم أن نلقي باللائمة عليهم ليبدأ عام دراسي جديد تكون حصيلته النهائية مثل هذه النتيجة.
لا أريد أن يكون طرحي ضبابياً .. فلا أتمنى أن تقرع أجراس الخطر .. فلا بد من أن هناك من يسمع ويعي ويتابع النتائج بدقة.. وهذا الأمر لا ينبغي أن يمر دون مراجعة ومحاسبة .. فلا داعي للمغالطة والصمت المقيت وترحيل المشاكل للمستقبل المثقل بأمور تربوية أخرى .. فلن ننسى أننا في القرن الواحد والعشرين .. قرن العولمة .. ولا داعي لوضع مبررات وإلقائها على كاهل الضحايا ذاتهم الذين وجدوا أنفسهم في كشوفات الفشل ، فمن يسمع ؟؟!! وهل من مجيب ؟؟!!
بل ما هو موقف كل من يهمه أمر العلم والتعليم ويهمه مستقبل الأجيال ؟
أدركونا أيها التربويون !! فلا يكفي أن نلقي باللائمة على الطالب .. فمن الذي أوصله إلى هذه المرحلة ما دام ليس أهلا لها .. وتلقائية النجاح هي معيار حتمي في أنظمتنا وقوانيننا التربوية التعليمية التي ندعي عصرنتها .. هل نحن بحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب العصرنة المتطورة أم سنبقى نراوح في أمكنتنا نلوم أنفسنا ونندب حظنا العاثر ؟
دعونا نتصارح .. إننا وبكل صراحة وموضوعية بحاجة إلى نوع من الثقافة الذاتية المعتمدة على الضمير الحي الذي يجب أن بتجذر في عروقنا .. ليكون ولاؤنا وانتماؤنا ووفاؤنا خالصة لله ولتراب هذا الوطن الطيب الطاهر ولمهنتنا التي اخترنا .
نحتاج الى ثقافة تربوية ذات بعد كاريزمي وجاذبية كبيرة وحضور عميق يجب تجسيده في شخصية زملائنا المعلمين .. أو بمعنى التحلي بشخصية تمتلك القدرة على التأثير على الآخرين إيجابيا وخاصة طلابهم الذين هم أمانه في أعناقهم لا بل يجب أن يتمتعوا بسحر شخصي .. بروح تبعث الطاقة العاطفية المؤثرة في الناس على المستوى الفكري أو الحسي أو الانفعالي.. والتواصل الإيجابي بالعملية التربوية التعليمية ومن مختلف جوانبها ملامسة لحاجات الطلاب ..
فأنت المسؤول عزيزي المعلم ا أولا وأخيرا عن تحصيل طلابك فإذا أعطيتهم ما يرضي الله عزّ وجل .. فستجدها في آخرتك .. ولا تنسى أن مهنتك هي مهنه الأنبياء والرسل فعن أبي عبد الله ? قال: \"قال رسول الله (ص): يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الرواسي. فيقول: يا رب أنَّى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علَّمته الناس، يعمل به من بعدك .
وأخيراً دعوني أبارك للنخبة الطيبة من طلبتنا الأعزاء الذي فرحوا هذا اليوم بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
ولا ننسى تلك الجهود الخيرة المباركة عند زملائنا والذين نعي تماما ما هي قيمة عطائهم وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم فلهم كل الحب والتقدير فهم الذي يؤدون رسالتهم على أكمل وجه فالخير فيّ وفي أمتي إلى يوم الدين
فليعذرني زملائي فما أردت سوى الوقوف على أعتاب بعض ما نعانيه جميعا
فكل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل ... أعاننا الله على تحمل المسؤولية ..
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com