زاد الاردن الاخباري -
انتظر الأردنيون زائرهم الأبيض، مثل أرضهم التي انتظرت لقاء الثلج بعد طول غياب، فخرجت الأسر تحتفي على طريقتها بتشكيل منحوتات ثلجية احتوت في بعض منها مكنونات من الإرث الثقافي، وهو ما انعكس جليا على صفحات التواصل الاجتماعي بابتهاج غامر.
فالعشريني موسى عامر هنية، وجد مع قريبه المهندس المعماري إياد القريني، في تراكم الثلج، فرصة لتشكيل منحوتات ثلجية جميلة، وهو ما اتفقا عليه منذ أن بدأت تتشكل نذر المنخفض الثلجي، عبر اختيار تصميم يحمل رسالة أو بعدا أو رمزا، فخططا لتشكيل رجل يقرأ أثناء الثلج، في رسالة تؤكد أهمية الاستمتاع بهذه الأجواء والقراءة ما أمكن، باعتبارها غذاء للروح والعقل.
أما ربة المنزل فداء جادالله، فرأت في الثلج فرصة لمشاركة الأبناء في تشكيل رجل ثلجي، ومنحوتات أخرى، زادت من جمال البيئة المحيطة ببيت الأسرة، الذي غدا مع هذه المنحوتات الثلجية لوحة بديعة رسمت للتو تحمل سعادة تلك اللحظة، مبينة أن الفرحة الكبيرة بتساقط الثلج كان دافعا قويا لهم بارتداء ملابس دافئة، دون أن يترددوا أو يتأخروا في ذلك دقيقة واحدة.
فيما استثمرت مؤسّسة مشروع “موريا” للفنون اليدوية وطن أبو فرحة، خبراتها الفنية لتشكيل رجل ثلجي مع طفلها لتعزز لديه روح الابتكار والإبداع، وليصبح قادرا على استغلال ما أمكن ما حوله من الموارد البيئية والأدوات اللازمة لتوظيفها في لوحة ومنحوتات فنية تحمل أبعادا قيمية وفكرية، ضمن مشاركة اجتماعية تعزز من الروابط الأسرية.
وعمدت على تجسيد الموروث الثقافي في المنحوتات الثلجية، إذ ترتكز على خصائص ونبض المكان، في تعبير عن الهوية وروح الأصالة، معبرة عن فخرها باهتمام عدد من المواطنين بتنفيذ منحوتات ثلجية تمثّل البيئة المحلية ومكوناتها بطريقة جمالية تأسر الناظرين.
وفي سياق متصل، قامت كوادر أحد المستشفيات الخاصة، بمبادرة لإسعاد المرضى خلال الموجة الثلجية، فشكّلوا رجلا ثلجيا وسيارة إسعاف وقاموا بزيارة المرضى وبالأخص الأطفال منهم.
وقال رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن هذه المبادرة تأتي لإدخال البسمة على شفاه الأطفال والمرضى الموجودين في المستشفيات، الذين لم يتمكنوا من رؤية الثلج، ويشعرون بأنهم محرومون من الاستمتاع بأجوائه الذي يعم المملكة، فتأتي مثل هذه المبادرات للتخفيف عنهم وإدخال البهجة على نفوسهم.
وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور تلفت الانتباه للإبداع في نحت الثلج، فيما سعت مؤسسات عامة كدائرة حدائق الملكة رانيا العبدالله وأخرى تربوية، لإطلاق مسابقات عن أفضل منحوت ثلجي، وفتح باب المشاركة والتنافس في ذلك، فيما استغلت مؤسسات خاصة إطلاق مسابقاتها في هذا الإطار، من باب ترويج حملاتها التسويقية بطريقة ذكية للاستغلال اللحظي للثلج وزيادة التفاعل بين الناس عبر تلك المواقع بحسب خبير مواقع التواصل الاجتماعي المهندس غفار العالم، الذي أوضح أن ذلك الأمر عزز الجانب الفني لدى المواطنين وصقل مواهبهم.
وقال رئيس قسم الفنون البصرية في الجامعة الأردنية الدكتور فؤاد الخصاونة، إن النحت على الثلج، هو فن ارتجالي أو مخطط له مسبقا، يهدف إلى تجسيد الأفكار من خلال إتاحة عدد من الأشكال الثلاثية الأبعاد سواء على هيئة إنسان أو حيوان أو غيرها من الأشياء، وتصوير الحياة اليومية للفنان أو الظروف التي يمر بها، فيما تختلف الأدوات المستخدمة فيها على نطاق واسع، إلا أنها غالبا ما تشمل الأدوات اليدوية مثل المجارف والفؤوس.
وبين أن أقدم توثيق لمنحوتات تماثيل الثلجية يرجع لكتاب اسمه تاريخ الرجل الثلجي للكاتب بوب إيكشتاين، وهو يعود للقرون الوسطى بالتحديد لعام 1380 ميلادي، إذ قام بتوثيق رجال الثلج، لافتا إلى أن أقدم صورة لرجل الثلج كانت عام 1853، إذ تم التقاط الصورة بعد اختراع آلة التصوير، موضحا أن النحت على الثلج مستقر في الدول الغربية ذات المناخ البارد جدا بشكل أكبر، وبالإمكان مقارنته بشكل أساسي بالنحت الرملي أو على الجليد، ذلك أنه يمارس في الهواء الطلق، وعلى مرأى ومسمع المارة.
عضو اللجنة الوطنية لليقظة الدوائية ومتابعة الآثار الجانبية للقاحات كوفيد- 19 الدكتور ضرار بلعاوي، قال، إن ممارسة هذه الأنشطة بالثلج سواء الفنية منها أو الرياضية، يقي من التعرض للفيروسات التي تسبب نزلات البرد والأنفلونزا والتي تنتشر في المنازل والأماكن المغلقة.
وأوضح بلعاوي، مستشار العلاج الدوائي السريري للأمراض المعدية، أن هذا النوع من الأنشطة يعمل على تقوية جهاز المناعة، وهناك العديد من الدراسات التي تربط بين النشاط في الهواء الطلق، وبعض الفوائد الصحية الإضافية كالنمو البدني، مع ارتداء ملابس دافئة تغطي الجسم.
وشدد على ضرورة تحديد وقت لممارسة تلك الأنشطة في الخارج في الأوقات الباردة، واقتصاره بما لا يتجاوز الساعة خاصة عندما تكون درجة الحرارة أقل من الصفر، والحرص على مراقبة درجة حرارة الطفل بصورة مستمرة خاصة يديه، فإذا كانت باردة فلا يجوز تدفئتها باستعمال الماء الدافئ بصورة مباشرة، إذ أن الجلد شديد البرودة يكون عرضة للحروق الشديدة.
أما رئيس جمعية أطباء الحساسية والمناعة الأردنية الدكتور هاني عبابنة، أكد ما ذهب إليه البلعاوي، بضرورة الحذر من ممارسة تلك الأنشطة في الثلج لمدة طويلة بدون ارتداء القفازات، مبينا أنه قد يسبب لسعة أو قرصة الثلج والجليد، وهو ما يشبه الحرق، حيث يسبب احمرارا وازرقاقا للجلد مع تصلب الأصابع المؤلم، يصحبه تشققات وتقرحات في الجلد لاحقا خصوصا عند مرضى الروماتيزم والحمى الذؤابية وتصلب الجلد الجهازي.
ولفت عبابنة وهو مستشار أول حساسية ومناعة، إلى أن التعرض الزائد للثلج يؤدي إلى برودة الأغشية المخاطية للأنف والفم مسببا نقص المناعة وزيادة الإصابة بالفيروسات التنفسية.
أما رئيس قسم علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتور فراس الحبيس، فأشار إلى أن الخروج لممارسة الأنشطة المختلفة في الثلج له فوائد عديدة، من أهمها: تفريغ الطاقات السلبية والعدوانية، والشعور بالحرية والقدرة على التعبير والتحكم بمحيط من حوله، فضلا عن تعزيز المشاركات الاجتماعية.
من جهته، قال اختصاصي علم الاجتماع الدكتور عامر العورتاني، إن الزائر الأبيض مُقِلّ في زياراته وسرعان ما يغادر المكان، وعندما يأتي فإنه يكسر الروتين الشتويّ المعتاد، وينقل الأفراد بصحبته إلى أجواء ساحرة ربما رافقت ذاكرة غالبيتهم منذ الطفولة.
وأضاف العورتاني، أن اللون الأبيض في حدّ ذاته لون باعث على السكينة والطمأنينة، وهنا فإنّ ذلك الطفل المختبئ داخل كلّ منّا لا ينجح غالباّ في منع نفسه من الخروج لممارسة أنشطته وهواياته في الثلج، وهكذا فإنّ عشية ليلة تراكم الثلوج وصباح اليوم التالي ورغم البرودة الشديدة يتحولان إلى كرنفال يتسابق فيه الأطفال والكبار لممارسة ألعاب التزحلق ورمي الكرات الثلجية.