حسن محمد الزبن - ليس سهلا أن تكون مستهدفا؛ لكن الغير طبيعي أن تكون مستهدفا من خلف الحدود، وداخل الحدود، والعمق ما بعد الحدود في الداخل، نحن نواجه حملة صهيونية، أدواتها أجنبية وعربية، مدججة بالخطاب الإعلامي، ومحاولات اختراق من منافذ وثغرات أدواتها الرخيصة، لضرب العمق ليصيب الأفراد والمجتمع والمؤسسات، وتجييش أطراف وتعاونات بينية خارجية معادية تستهدف الأردن.
فما حدث على حدودنا الشرقية، كان أول رقص الثعالب، لاختبار وجس نبض قدرة جبهتنا على المواجهة، ومدى كفاءة الردع، وجاهزيتنا القتالية؛ فارتقى شهداء من الجيش العربي بعد بسالة في المواجهة وقضوا نحبهم، مما استدعى تغيير قواعد الاشتباك، بعدما وصل الأمر يتعدى محاولات تهريب للمخدرات، بل ما يؤكد أن الأردن يواجه خصما حقيقيا، وعدوا مُشيطنا، ومحفزا ومتحفزا يريد النيل بأي طريقة من أمن الأردن ودوره الإقليمي في المنطقة، وحضوره المتميز دوليا.
وجاءت المواجهة فيما بعد بإرادة وقوة النشامى في الجيش العربي بخوض معركة مع محترفين في القتال والتكتيك، وتم دحرهم وقتل 27 من عناصر تجار المخدرات والأسلحة وأعوان الحماية لهم، وانتصر الحق انتصارا للذود عن الحياض والحمى.
ما يعني أننا أمام مخطط غاشم، من دول غير معلن موقفها العدائي للأردن، وتحاول النيل منه من خلال وكلاء وشبكات تدين بولاءات متعددة ومليشيات وعصابات تحترف استعمال السلاح، وتمتلك تقنيات واسلحة قتالية متطورة لتنفيذ الهجمات الليلية، وتحقيق مصالحها ومآربها الخبيثة، من تحقيق مكاسب ومغانم وصناعة مال وتقوية نفوذ، ومحاولات لتفكيك الجبهة الداخلية الأردنية، وضرب تماسكها بإغراقها بالمخدرات والسموم القاتلة؛ فالتعنت والعناد الذي بدا جليا رغم تحذيرات الأردن عبر رسالة وجهها علنا وبقوة، أن الاقتراب ومحاولة تخطي الحدود يعني الموت، وما كان ليكون هذا الإعلان الصريح إلا إدراكا من صناع القرار الأردني، لخطورة وتفاصيل التقارير الاستخباراتية والقراءات العسكرية الدقيقة، بضرورة التصدي لإصرار هذه الجهات على تكرار المحاولة للوصول إلى ثغرة تحقق الرغبة الجامحة في العبور، لكن هيهات أن يتحقق مرادهم أمام الكفاءة العسكرية المدربة والمجهزة ويشهد لها باحترافيتها القتالية.
ولو أردنا قلب الصورة، وافترضنا بما لا يمكن افتراضه أصلا، وكانت هذه المليشيات والعصابات تنطلق من الطرف الأردني المقابل للحدود السورية، لكان الموقف السوري مغايرا ولا يقبل أي مبرر من الدولة الأردنية.
في حين أننا نرى النظام السوري غير قادر على كبح وإيقاف التجاوزات التي تنطلق من أرضه وحدوده التي تستهدف الأرض الأردنية، علما أن الأردن في خضم الفوضى داخل سوريا وصراعه مع كل الجهات والمنظمات، وما عرف "بالأزمة السورية"، لم يكن يقبل الأردن أي اختراق من جانبه للحدود السورية، ولم يسمح لأي كان تجاوزها أو التسلل من خلالها، لذلك ما شهدناه من خطر قد تهددنا يعني أننا أمام واجب وطني، ويحتم علينا درء هذا الخطر بأنفسنا وبكل قوة، من خلال الجيش العربي الأردني، الذي أقسم أن يحفظ الوطن من كل العاديات والخطوب، ولا يرى ضباطه وأفراده أكثر قداسة وعقيدة من الشهادة في سبيل ذلك.
ويكمن الخطر لو تم لا سمح الله، ونجحت هذه الجهات بأي من مبتغاها، ومن محاولات التهريب إلى الأراضي الأردنية، وتسليمها لعميل خائن وبائع وطن بثمن بخس، فمن المؤكد أن جزءا من هذه الحمولة سيبقى على أرضنا للتداول بالخفاء، وباقي الشحنة يتم تصريفها وتسليمها لآخرين متاجرين بالأوطان في جهات أخرى من الإقليم العربي، وتحديدا دول الخليج العربي المستهدفة أيضا بهذا المضمار، ما يعني حاجة الأردن لدعم عربي ودولي للتصدي لهذا الضغط الكبير على الحدود الأردنية.
فهناك قوى تريد بنا شرا، وتريد أيضا بجيراننا أهل الخليج العربي شرا، تدعمه قوى الظلام، وهي قوى منظمة وتدور في أفلاك دول، وتحكم سيطرتها على أشخاص ووكلاء، وتستغل عدم سيطرة النظام السوري في هذه الفترة على الوضع الأمني الداخلي والحدودي، لتروي هذه القوى عطشها وصناعة مكاسبها، وتحقيق أعلى من الاستثمار في هذا الجانب على حساب الأردن ودول الخليج عامة.
وما يهمنا أن الأردن بجهود أجهزته قادر على كبح اتساع قاعدة ترويج المخدرات والاتجار فيها، حفاظا على قيم المجتمع وأخلاقه، وانتصارا للعقيدة السمحة في تحريم تداول المخدرات وما ينتج عنها من جرائم وعادات لا تمت لنا بصلة، وما ينتج عنها من تخلي عن القيم والمبادئ، واستفحال للفاحشة والرذيلة، وانحدار للأخلاق، ولا يخدم حتى ما نتوجه إليه في هذه المرحلة من التحديث والإصلاح السياسي والاجتماعي، والسعي لتمكين الشباب والمرأة ليكونوا ضمن معادلة التغيير والدور الفاعل في المجتمع.
خلاصة القول إن ما يحدث يجب أن نتنبه له، ونقر أنه مخطط له أدواته وصُناعه، وهو على أي وجه كان يخدم سياسة وفكر النهج الصهيوني، ويغذي أهدافه القديمة الجديدة المتجددة، والتي لن يتخلى عنها، وآخرها وليس آخرها ما صرح به رئيس الموساد الإسرائيلي "يوسي كوهن" ضمن تسريبات صحيفة واشنطن بوست الامريكية، من اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة "الكابينت"، يشير صراحة لاستهداف الأردن بقول مفاده ( العمل على تبديد أمن واستقرار المملكة، يعتبر هدف لدولة إسرائيل، باستخدام عملاء الداخل والخارج وتحريض ضد الملك!)، وليس هذا فقط بل صرح نفسه "يوسي كوهن" بقوله ( أن العاهل الأردني يتحدى دولة إسرائيل في المحافل الدولية، أضرّ كثيرا في دبلوماسية الإسرائيلي الخارجية، بل يحرض بشكل دائم ضد سياسة إسرائيلي، وأنه يسير على خطى والده في الزعم أن بلاده تريد السلام، لكنه في واقع الحال يحتفظ بكره أبدي ضد الدولة العبرية).
لذلك علينا أن نمعن النظر والتحليل في تصريح هذا الصهيوني "يوسي كوهن"، وما سبق من تصريحات لصهاينة آخرين في فترات وسنوات سابقة، وما تحمله من حقد وكراهية للأردن، مما يملي علينا أن نتخطى كل العقبات في جبهتنا الداخلية وعمقنا الوطني وامتدادنا الحضاري، وتتماسك كل الأطياف السياسية، وكل المكون الأردني في صف واحد حتى لا ينال منا أعداء الوطن.
وحمى الله الأردن،،