برقش قصتنا لا بل مأساتنا الرابعة، بعد دبين ورميمين وسلحوب، والتي عوقبت بالاجتثاث من جذورها بواسطة منشار، الاستثمار، وكان الاستثمار لا تقوم له قائمة الا من خلال القضاء على رئة الأردن المحدودة .
تبلغ مساحة غابات برقش ما يقارب 20 ألف دونم، تضم أكثر من مليوني شجرة يصل عمر بعضها إلى 500 عام، كما يوجد فيها مغارة عمرها أكثر من 4 ملايين عام، توصف عالميا بأنها الأهم من حيث التركيب الجيولوجي (صواعد ونوازل) وأجمل من مغارة جعيتا اللبنانية الشهيرة، تقدر مساحتها - أي المغارة - بأكثر من 4 الالف متر مربع، كما تعد الغابة مأوي لمئات الحيوانات النادرة، والإعشاب بكافة أنواعها .
برقش اليوم يراد جلدها بناء كلية عسكرية في وسط احراشها، على الرغم من معارضة الشعبية الشديدة لها، كونها - أي برقش - تشكل متنفسا ورئة للشعب، فهي ليست حق لأهل المنطقة فقط، بقدر ما هي حق لكافة أبناء الشعب الأردني . برقش للذي لا يعرفها، أو لم يزرها من قبل، تشكل الكثافة الشجرية فيها ما نسبته 90%، لو تم توجيه عين الاستثمار لبعثت المنطقة برمتها من ركام عدم الاكتراث المتصل الذي قادته الحكومات المتعاقبة، ولرفدت خزينة الدولة مئات الملايين.
المراقب لكافة التصريحات التي يطل بها المسؤولين، يجدها تقوم على مبدأ ارضاخ الشعب لسياسة الأمر الواقع، لفكرة إنشاء كلية عسكرية بحجة إعادة إحياء المنطقة، وكان الشعب يعارض إنشاء الكلية بالأصل !! اختيار برقش حسب الخبراء لا يتفق مع القوانين الأردنية من قانون الزراعة،و قانون الحراج، وقانون البيئة. الحقيقة تقول: إن لا احد يعارض فكرة الكلية بعينها، بل يعارض اختيار برقش كموقع لها، مع انه يوجد الكثير من المناطق التي يمكن استغلالها .
عطفا على الموضوع، قبل سنوات حصلت ذات القصص في رميمين ودبين حيث تم اغتصاب الأشجار وقتلها على مذبح الاستثمار، بمقابل استبدالها بمبان لم تضف شيئا للمنطقة، بل أسهمت في تشويه صورة المكان، وحرمت الشعب الأردني من التمتع بفضاء خضارها.
فيما يتعلق بالأصوات الضاغطة باتجاه إقامة الكلية، هؤلاء على الأغلب من ملاك الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال في المنطقة، تقودهم مصالحهم، لا لرغبتهم في التطوير، بل بحثا عن مكاسب سينتج بعد رفع أسعار الأراضي، في محاكاة لما حصل في دبين قبل سنوات، حيث استفاد اصحاب وتجار الأراضي بعد ارتفاع أسعارها، بالمقابل غابت الفائدة عن عموم المجتمع المدني . السؤال المطروح بقوة، لما يتم التركيز على جعل المناطق الحرجية بمثابة مناطق عسكرية أمنية، هل ثمة سر وراء الأكمة لا يريد احد البوح به !!!
من الأهمية بمكان، إعادة النظر في اقرار مكان المشروع، خاصة وان لدي الحكومة عدد من الخيارات المتنوعة، أهمها نقل المشروع إلى قاعدة الأمير محمد الجوية المهجورة في أعالي سقف عجلون، مما يكون له كبير الأثر في إعادة تفعيلها، ويقلل من كلفة بناء الكلية العسكرية، ويحول دون قتل الرقعة الخضراء المتبقية كبسمة في وجه الوطن الغالي . وهنا نبتعد عن شبح التفريط ببرقش باعتبارها رئة الأردن الغلي .
بالأمس كانت دبين، من ثم لحقت بها ارميمين وسلحوب، بين هذه وتلك ذهبت العقبة والديسي، بحجة الاستثمار وخلق فرص جديدة لأبناء المنطقة، النتيجة كانت غير ذي صله بالواقع الفعلي، فالفائدة المرجوة لم تتحقق، لا للمناطق التي تم انشاء المشاريع فيها، ولا لأهلها . لقد أضحت المشاريع تشكل عبئ اضافي على أهل المنطقة، وزادت من تكاليف الحياة، ولم تنتج شيئا، خلا مزيدا من التقهقر إلى الخلف بدلا من التقدم إلى الإمام .
الله يرحمنا برحمته ... وسلام على أردننا من الله
خالد عياصرة
Khaledayasrh.2000@yahoo.com