ماهر ابو طير - كانت أولى المخيمات في المشرق العربي، مخيمات الفلسطينيين، ومع أول وتد لخيمة، بدأ المشرق العربي يتحول الى مخيمات، فالوتد الأول، كان تأسيسا لمشرق كبير من المخيمات في كل مكان.
هذا هو المشروع الاسرائيلي، والذين ظنوا ان الخيمة الاولى لا تخصهم، لم يكونوا يعلمون ان المشروع الاسرائيلي لن يكتفي بفلسطين، بل سيدمر كل جوار فلسطين، وكل الهلال الخصيب، فيتوزع اهله داخل دولهم في مخيمات، او في دول الجوار في مخيمات، واغلبهم من شعوب ثرية اساسا، او قل ميسورة، او خلفهم آلاف السنين من الحضارات لكن مصيرهم كان في مخيمات.
مخيمات الفلسطينيين بدأت داخل فلسطين ذاتها، وهذه مفارقة مؤلمة، فالذي خرج من حيفا ويافا عام 1948، ذهب الى القدس او نابلس او غزة او مدن ثانية لتتأسس مخيمات مختلفة، وبعضهم ذهب الى لبنان وسورية او الاردن، والقصة تكررت بعد حرب عام 1967 حيث المأساة مجددا، ومزيد من اللاجئين داخل فلسطين نحو دول الجوار، والذي يعدد اسماء مخيمات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، ودول جوار فلسطين يجدها بالعشرات هذه الايام.
بدأت بخيم، وبعضها تحول الى بيوت اسمنتية، واحيانا الى احياء تجارية كان ثمن المحل التجاري فيها يصل الى مليون دولار، كما في مخيم اليرموك في دمشق، الذي لم يبق منه الا الذكريات.
لكن لعنة المخيمات، وخصوصا، اللجوء داخل الوطن ذاته، لم يكن يدرك مرارتها كثيرون فأنت قد تلجأ خارج بلادك، لكن الاكثر ايلاما ان تلجأ داخل بلادك، من مدينة الى ثانية، فلا تجد بيتا، ولا شقة، فيتم تأسيس مخيم على عجل لك ولغيرك، ومرحبا بك لاجئا في وطنك الاساس يا هذا.
الذين ظنوا ان هذه مصيبة الفلسطيني وحده، تفرجوا عليه، او ساعدوه وفقا لإمكاناتهم، لكن لا أحد حاول ان يخلع وتد الخيمة الاولى، برغم انها كانت مؤشرا على مشروع اكبر، رأينا حلقاته ضد سورية، لبنان، العراق، ودول ثانية، وليس غريبا اليوم، ان تجد المخيمات في هذه الدول، والذين سكنوا الموصل ذات يوم، اضطروا للهجرة بسبب الارهاب والهروب، واقيمت لهم مخيمات على عجل، وفي سورية هرب الناس من الموت الى مناطق ثانية، فتجد المخيمات في شمال سورية، وامتدت هذه الموجات الى لبنان والاردن وتركيا، وحيثما وليت وجهك في هذا المشرق العربي والاسلامي، تجده مليئا بالمخيمات، وفي الاحصاءات الدولية نقرأ ان العرب والمسلمين، هم الاعلى والاوائل في اعداد ونسب اللاجئين في العالم، هربا من عالمهم الذي كان يعد الاثرى والاكثر حضارة، والاغنى ايضا، لكنهم يتسولون اليوم، مكانا للنوم، او رغيفا ساخنا من الامم المتحدة.
لست تعرف ما هي قصة العرب والمسلمين مع اللجوء والمخيمات، فأنت تجد ذات قصص المخيمات في باكستان وافغانستان، والصومال، وفي كل مكان، وعشرات ملايين العرب والمسلمين، تم تهجيرهم من ديارهم، واقيمت لهم مخيمات على عجل، مع مطالبة اللاجئين برفع المعنويات.
لأن ذاكرتنا تنسى سريعا، فلا نتذكر صور اللجوء الاولى للفلسطينيين، بالابيض والاسود، وكم فيها من قسوة واهانة وصبر، يحمل الابن والدته العجوز ويمر عبر الارياف ومخاضات الماء، مثلما هي الصورة الملونة لأشقاء الروح السوريين وهم يبحرون بالقوارب المطاطية الى جنوب اوروبا، ويصل بعضهم ولا يصل البعض الآخر، او يعبرون دولا عبر البر، بحثا عن حياة آمنة.
نحن نسينا الصور التي بالأبيض والاسود، وتغافلنا عن الصور الملونة، ونقف في زمن رمادي، حيث الصراعات والانقسامات والكراهية والحروب الصغيرة وتشظي الشعوب والدول.
طموحاتنا اليوم، تجاوزت الحلم بتفكيك المخيمات في هذا المشرق، وعودة كل انسان الى بلده، والواعي يضع يده على قلب من احتمال نشأة مخيمات جديدة، لشعوب جديدة، لأن العملية لا تتوقف، وكأن الوتد الاولى، لم يكتف بنصب الخيمة، بل تم دقه في ظهورنا كلنا في هذا المشرق، الواحد تلو الاخر، فتدعو الله حقا، ان نصحو على عالم عربي بلا مخيمات، بما تعنيه هذه المخيمات من دلائل على الهزيمة والاذلال والظلم او الاحتلالات، حيث لا فرق بينهما، لأن النتيجة ان اعرق شعوب الارض، باتت تتوزع على مخيمات هنا، وهناك، وبعضها الآخر ينتظر دوره.
لكل عربي خيمة، ولكل خيمة وتد، كفانا الله واياكم سوء المآلات.