يقطع تطوير التعليم في الدولة نصف طريق التنمية المستدامة والصحيحة والعملية، ففي كل خطوة تتخذ لتحسين مستواه بكافة أضلع معادلته من بيئة مدرسية وصفّية، ومعلّم وطالب، ومناهج وغيرها، يتم تأسيس حالة نموذجية ومثالية من تطوير كافة مناحي الحياة والنهوض بالأفراد والمجتمعات، فمن خلال ذلك يتم تكوين حالة مثالية من المسؤوليات عند الفرد والمجتمع، ففي تطوير التعليم وديمومة هذا الجانب نحقق الجانب الأهم في التحديث والتطوير.
التعليم الصحيح والمتطوّر، يبعد الفرد ومن ثم المجتمع عن مهبّ السلبيات والفشل، والعودة للخلف في أي قطاع من القطاعات، ويمنح الدولة قوّة خارقة في مواجهة أي عقبات أو تحديات، والتي بات العالم يقطع أشواطا به في مجالات متعددة ويلج دنيا التكنولوجيا والعالم الرقمي، ففي العِلم والتعليم تكون خطى القادم أكثر ثباتا ويجعل من غدنا مؤكد الاختلال الايجابي بمزيد من التقدّم.
وإذا ما أردنا الحديث بصدق عن واقعنا التعليمي، وربما بصدق مع انفسنا قبل غيرنا، وقبل المضي في وضع خطط تحديثية بهذا الجانب، علينا ان نعترف أن التعليم في الأردن لا يزال يعاني فقرا في بعض جوانبه، وأنا هنا لا أؤشّر على فقر بمعناه المادي، إنما بمعناه الإجرائي والفنّي، فنحن بحاجة لثورة بيضاء في التعليم بحرفيّة المعنى، بعيدا عن مفردات باتت تكرر ذاتها في كلّ مناسبة يتم بها طرح هذا الجانب، اليوم هناك حاجة ماسة أن يعود التعليم في الأردن إلى مراحله المتقدّمة التي عاشها لسنوات طويلة، شريطة أن نبتعد عن مساحات ضاقت بنا وبأفكارنا التي لا تزال تقليدية بهذا الإطار، للأسف بالغنا في تزيين جدران فارغة ليبدو المشهد من خارجه مزدانا بألوان أخفت الكثير من العيوب والتشوهات وعلى مرّ السنين عمّت السلبيات المشهد وبات بحاجة للتغيير.
جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الرسالة التي وجهها إلى أبناء الوطن وبناته بمناسبة عيد ميلاده الستين، وفي حديثه عن مستقبل الوطن، أراده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا بالتعليم حيث قال جلالته (وأنا أرى ملامح ذلك المستقبل بكل وضوح، نريده مستقبلا مشرقا نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع، نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم)، واضعا جلالته الشأن التعليمي من محددات بناء المستقبل المتطوّر الحديث، الذي تتجه لدخوله المملكة في مئويتها الثانية، مؤشّرا جلالته لجانب غاية في الأهمية أن التعليم كان بالصدارة وهو اليوم لم يعدّ كذلك، ونحن بحاجة لإعادته لها.
في تطوير التعليم نحن بحاجة لالتقاط توجيهات جلالة الملك، وتطبيقها على أرض الواقع ورسائل جلالته التي تبعدنا عن النمط التقليدي في التحديث، وذلك من خلال استحداث طرق مبتكرة واستخدام كافة الوسائل التقنية الحديثة سواء في آلية التعليم أو المناهج أو تدريب وتأهيل المعلمين وتمكينهم ليكونوا أكثر قوّة تعليمية في الغرف الصفيّة، وكذلك تطوير البيئة المدرسية والصفيّة، وتحويل المنظومة التعليمية بشكل كامل لشكل جديد أكثر تطوّرا بعيدا عن دفن رأس الحقيقة في الرمال، والقول أن «التعليم بخير» وهو ليس كذلك، ففي التشخيص والاعتراف بالقصور جزء من التطوير.
جلالة الملك وفي ذات الرسالة التاريخية شدد على ضرورة تطوير نظامنا التعليمي، بشكل يتناسب وتطورات المرحلة والأهم سوق العمل، حيث قال جلالته (إن تطوير نظامنا التعليمي بما يلبي الاحتياجات الآنية والمستقبلية لسوق العمل، أولوية وجهت الحكومة بالتركيز عليها وتوفير كل الإمكانات اللازمة لتحقيقها)، هي حالة عمل يطلقها جلالة الملك لتطوير التعليم والتنبّه لقطاع بات يحتاج تحديثا حقيقيا.