كان من الطبيعي وفي ظل المتغيرات العربية من حولنا ان ترتفع وتيرة الحراك السياسي والشعبي لدينا للمطالبة بالاصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد كوننا جزء من المحيط العربي المضطرب والذي ضاق ذرعاً بسياسات ( الآلهة الحاكمة ) واساليب الحديد والنار التي شكلت مزايا ضعف الانظمة هناك وما فعلته من تركيز الثروات القومية في ايادي البعض حتى تفّرد العرب بثنائية اغنى البلاد وافقر الشعوب ووصلوا هناك لحقيقة مفادها بان سبيل النجاة يتلازم مع الخلاص من الانظمة الحاكمة ذات الحق شبه الالهي في السيطرة على مجريات الحياة السياسية والاستحواذ على ثرواتهم عقوداً من الزمن , وفي الاردن حيث اتفقت الموالاة والمعارضة على ان لا يرتفع حجم الاصلاحات للمطالبة بتغيير النظام الحاكم كوننا نملك من الخصوصية ومزايا الحكم الرحيم ما يؤهلنا للأبحار في مركب يشكل الاصلاح السياسي والاقتصادي واجتثاث الفساد اشرعته الرئيسية للوصول لبر الأمان , من هنا تعالت الاصوات الشعبية والحزبية المطالبة باحداث التغييرات الحقيقية وأخذت برفع سقف مطالبها الاساسية بالتوازي مع ارتفاعات مناخات الحرية التي خلقتها الظروف العربية الحديثة ومنها المطالبة بان يتم تسمية رئيس الوزراء بالتنافس النيابي عن طريق برلمان حقيقي خارج ( وصاية التزوير ) تطبيقاً لمبدأ ( الحكومة البرلمانية ) وما يتطلب ذلك من تغيير لقانون الصوت الواحد كأحدى الخطوات الحيوية لبناء الشراكة في احداث التغيير المنشود .
الغريب بالموضوع بان البعض القليل ممن كنا نثق بمصداقيتهم ويحوزون على قدراً من الاحترام الشعبي داخل مجلس النواب وخارجه تعاملوا مع مطالب الشعب بالحكومة البرلمانية بنوع من الريبة والعقلية العرفية العصية على التطور والنماء ورأوا في ذلك اضعافاً مقصوداً لسلطات الملك وتجاوزاً على صلاحياته الدستورية بل ذهب البعض الآخر للاسترسال في اللقاءات والمؤتمرات والتصريحات للتشكيك بان مبدأ الحكومة البرلمانية ما هو الا حقٌ أريد به باطل وهكذا انقسم المشهد السياسي بين الحرس القديم بين رافض للمبدأ من اصله وبين مشكك بنوايا الشعب وبين مطالب بالاصلاحات الدستورية الحقيقية من جهة اخرى , فرجال السياسة لدينا ممن يعتبرهم البعض أهلاً للحل والعقد لا يجيدون سوى التمثيل بدور واحد يستنبط دوره البالي من حقبة الاحكام العرفية وما زالوا ينصّبون انفسهم كأوصياء على صلاحيات الملك ومطالب الشعب , في حين لا يملكون في عالم السوق ( السياسي ) المفتوح سوى تلك البضائع البالية والتي تدفع مسيرة الاصلاح للخلف باعتقادهم بانهم يسيرون على طريق التقدم والاصلاح .
في خطاب الملك الاخير بدى واضحاً بان الملك لم يلتفت لدعاة الاصلاح من الحرس القديم حين اماط اللثام بشكل واضح عن رغبته الحقيقية في برلمان على اساس حزبي وحكومة تنطلق من اغلبية نيابية في تشكيل ملامحها الدستورية مستقبلاً ويعني ذلك باعتقادي ان التوجهات الملكية منسجمة مع مطالب الشعب وجواباً كافياً لجميع اصحاب الفكر التقليدي بان الاصلاح السياسي لا بد وان يكون ولكن ليس على طريقتكم المثلى , وان الملك يدرك كباقي شعبه بان حب الوطن والعمل لمصلحته ليس حكراً على أحد وانه لا يجوز لاياً كان الاختباء خلف الملك أو الاستحواذ على صاحب القرار بحجة خوفه على صلاحيات الملك وغيرها من الحجج الواهنه التي لا تستقيم مع واقع المتغيرات من حولنا .
الخطاب الملكي الاخير يشرك الشعب بقدر كبير من المسؤولية لانفاذ توجهاته بالبرلمان الحزبي والحكومة البرلمانية بعد انجاز قانون الانتخاب وذلك بانحسار مبدأ مرشح العشيره لصالح مرشح الحزب والتنافس المشروع ضمن البرامج والتكتلات بدلاً من التنافس المحموم لنواب الخدمات والارتقاء بدور نائب الوطن بدلاً من نائب الحي والحارة والمنطقة , فاذا اتفقنا بان مشاكل الوطن الكبرى جاءت من برلمانات متعاقبة قامت على اساس التنافس الفردي والعائلي والالتفاف على ارادة الناخبين بلا برامج وخطط تحكم اداءها وهو الامر الذي اوصلنا الى ما وصلنا اليه فان الفرصة القادمة تبقى مفتوحة لجمهور الناخبين لايجاد مجلس نيابي حقيقي يمثل الوطن وحكومة دستورية تنبثق منه وتحاسب على برامجها امام الشعب .
المشكلة لدينا بان الكثيرين من رجال السياسة وأهل الشورى ما زالوا محدودي الافق ويتعاملوا مع المستجدات بنوع من الرجعية والانقلاب على ارادة الشعب وتراهم عندما يدافعون عن وجهة نظرهم يقدمون انفسهم كحُماة للعرش ويحتكرون المطالب الشعبية ويقدمون باقي ابناء الوطن على نقيض ذلك تماماً ولا يدركون بان الانظمة السياسية تخضع لسنن التطور بشكل طبيعي ومنطقي بناءاً على العقد الاجتماعي بين الشعب ونظامه الحاكم .
Majali78@hotmail.com